الجمعة 2024-12-13 09:08 ص

الروائي والباحث محمد رفيع: أخلاقيات النص الابداعي بدل مفهوم ‘الالتزام’ القديم!

10:47 ص

الوكيل - يعتبر المهندس والباحث والروائي الأردني محمد رفيع واحداً من أبرز العاملين والمهتمّين والمدافعين عن التراث المعماري للعاصمة عمان، وتتميز جهوده بذلك التدفق والحيوية في التقاط المعلومات من بين أصولها في سجلات ووثائق ومحفوظات أمانة عمان الكبرى، بحيث راعت قواعد وأحكام البحث والتوثيق العلمي التي تعنى بموروث وتاريخ نمو وتطور مدينة عمان بأسلوبية تجمع بين الحنين الإنساني وسحر وجاذبية مناطق وجبال المدينة.

وقد كشف رفيع في إصداراته التوثيقية عن الكثير من الحقائق التي لا يعلمها الكثيرون حول العاصمة التي ضمت التاريخ الثقافي والاجتماعي والعمراني والسياسي لتكوّن ونشوء وارتقاء العاصمة الاردنية عمّان. مشيراً إلى أحداث وشخصيات وعائلات وأماكن ظلت شاهدة على تطور المدينة، وتحفل أعمال محمد رفيع التوثيقية والإبداعية بالمخزون الخصب لذاكرة وتراث وتاريخ مدينة عمان، وما تشتمل عليه من صور وذكريات وحكايات حميمة وموروث عمراني وإنساني، وتوثق للحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمدينة عمان القديمة في أكثر من فترة زمنية خلال القرن الماضي ومحطات تأسيس الدولة الأردنية.
أما الجانب الآخر من شخصية محمد رفيع فهو الجانب الإبداعي والذي سنتوقف عنده مطولاً في هذا الحوار من خلال الحديث عن روايته ‘دير ورق’ والتي تعتبر واحدة من انضج الروايات الأردنية الصادرة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، فهي ليست مجرد رواية تسجيلية تقليدية تتناول قضايا اجتماعية وعقائدية وسياسية وتعطي صورةً نمطية عن الكنيسة العربية وعن العشائر المسيحية العربية التي عاشت على هذه الأرض مطلع القرن الماضي وعن انتمائها لتاريخها الوطني المشرقي وعمق وعيها بالصراعات السياسية التي كانت تدور بين أقطاب القوَّى العالمية المتصارعة على أرضنا العربية وما زالت، وإنما هي أسطورة أخلاقية نابعة من حياة أهل قرية ‘دير ورق’، الواقعة في الجنوب الشرقي لسهل حوران، وهو اسم لقرية مسيحية في الشمال الأردني استطاع رفيع أن يخلق منها عالماً مكتفياً بذاته، ذلك لأنه استطاع أن يسيطر على ماضي تلك القرية، ويحتفظ بها، كذخيرة للأساطير والذكريات والآلام، وظل هذا موضوعه الرئيسي، ومع كل عودة إليه، كان يرى فيه عالماً جديداً، حيث اتخذ من تلك البقعة المستقرة في جوف ذلك الجبل، ومن سكانها الذين يمثلون خليطاً من مجتمع الفلاحين، ينبوعاً عذباً، ينهل منه قصصه، فهذا المكان يمثل مشهداً للدراما والأحداث، كما يشكل أرضية لمنظومة أخلاقية بسيطة ومعقدة في آنِ معاً. ففيها تثمر الخرافة الشعبية، وفيها يظهر الماضي الذي يقترب من الأسطورة، فيثمر بذلك الإحساس العميق بعظمة التاريخ، وثقل أعبائه، ولا تنفصل في هذه الرواية التقنيات عن المضمونات، أو الدلالات، فكلها مندمجة ومتداغمة، بلا انفصال، ولذلك، فهي نوع من الكتابة التجريبية التي يمتزج فيها القصصي بالحلمي والفانتازي باللاواقعي واللامنطقي، فتتبع القصة منطق الفن، وبهذا المعنى، لا يكون هذا منطقاً على الإطلاق، فمنطق الفن، غير منطق العقل، وغير منطق الحياة العملية.
التقينا محمد رفيع في عمان، لنسلط مزيداً من الضوء على تجربته البحثية والإبداعية، فقادنا الحوار إلى قضايا متشعبة، وكان هذا الحوار:-

* في إصداراتك التوثيقية كشفت عن الكثير من الحقائق التي لا يعلمها الكثيرون حول العاصمة التي ضمت بيوتات لرجال سياسة واقتصاد وثقافة كانوا شهوداً على تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة عاشها الأردن خلال القرن العشرين. فهل سوف نرى في المستقبل القريب لمحمد رفيع أعمالاً روائية تستفيد من الفضاء العمَّاني؟
*لا ازال اتهيّب كثيراً من كتابة عمل روائي مستقلّ عن عمّان. وان كنت قد قدّمت نماذج لمقدّمات روائية يمكن انجازها في مقدمات فصول كتاب ذاكرة المدينة باجزائه الثلاثة. فعمّان، بتاريخها الحديث نسبياً، اكثر صعوبة، في العمل الروائي، مما يظنّ كثيرون. هناك مشاريع روايات عن عمّان، غير انّي لم امتلك الحماس الكافي لانجازها حتى اللحظة، وقد تكون، اذا اكتملت، صادمةً لكثيرين.
*السؤال الثاني:- أخي محمد، في روايتكم الرائعة (دير ورق) تحوّل الراهب الأجنبي إلى قِدّيس، وأصبح المبشِّرين الأجانب دعاة عزلة وفرقة بين المذاهب والطوائف والعشائر…بصراحة، ما الذي أردت أن تقوله من خلال الرواية عن هؤلاء جميعاً ؟
*أخي الفاضل. دعنا ندقّق قليلاً في الرواية قبل الاجابة على هذا السؤال المهم. او قُل لِنُعد طرح السؤال على نحو آخر. فأنا لم أقُل انّ (المبشِّرين الاجانب) اصبحوا (دعاة عزلة وفرقة بين المذاهب والطوائف والعشائر)، كراوي، بل كانت تلك رؤية احد ابطال الرواية وهو (الشيخ مرشود) ومَن يناصره في الرأي. بل على العكس، اذ كان بعض شخوص الرواية الآخرون يرون فيهم (مخلّصين) للناس (مِن الضلال الى الايمان) ومِن (الجهل والتخلّف) الى (العلم والمدنية والتحضّر)، كصاحب مخطوط الرسالة (س. س. ن.) و(الشيخ سلامة النويرات) شيخ طائفة اللاتين في الحصن ووالد عقيل. اما تحوّل الراهب الاجنبي (الايطالي) القتيل الى قدّيس عند طائفة اللاتين، ودفنه في دير الحصن، فقد اشارت الرواية ايضاً الى تحوّل قبر عقلة السعادة، المتّهم بقتله، الى اسطورة من نوع خاص، تحمل مضامين الشجاعة والجرأة والبطولة، عند فئة أخرى من جماعات الرواية، وتخاف الخيل من المرور من طريقه (طريق الصخر ..) او بالقرب منه، قبل ان يتحوّل لاحقاً الى مقام للتبرّك وطلب انجاب الابناء الذكور الاقوياء تحديداً ..! وهذا يطرح سؤالاً على القاريء، ولم تجب عنه الرواية او الراوي، وقد يكون هذا السؤال الموجّه للمتلقي وتعاطفه مِن عدمه يمثّل اجابة لتساؤلك التالي؛ (اذ كيف يحظى القاتل والقتيل بالتبجيل والاحترام عند الجماعة البشرية نفسها..؟ فهذا بطلٌ ..! وذاكَ قدّيس ..! مع الأخذ بعين الاعتبار انقسام تلك الجماعة مذهبياً بالتبشير). اما حول سؤالك (بصراحة، ما الذي أردت أن تقوله من خلال الرواية عن هؤلاء جميعاً ؟)، فبكلّ صراحة، اقول لك، انّ ما اردتُ قوله هو ما قُلتُه في الرواية تماماً، ولو كان لديّ شيءٌ آخر، لما تردّدت في قوله. فالرواية هي قولُ المكتوم، وبلا مواربة، فإنّ لم تستطع الرواية فِعلَ ذلك فقد فشلت. والحُكم دوماً هنا للقاريْ وليس للناقد، فيما اظنّ. اما اذا قصدتَ بسؤالك شيئاً آخر، لم أفهمه، فربما يجيب عنه تكامل أسئلتك التالية.
* إن الإنسان وليس البيئة هو رهان رواية ‘دير ورق’ الأول، وإن كانت قد اتخذت من البيئة الواقعة على الحد بين السهل الحوراني والصحراء خلفية لأحداثها، إلا أنها حاولت بجدية التفتيش فى أعماق النماذج البشرية التى قدمتها، والتى افترضت الرواية أنها عاشت هناك فى مطلع القرن الماضى، حيث تدور أحداث الرواية فى مطلع القرن العشرين. فهل تتفق معي أخي محمد في ذلك؟
*قد يكون من الصعب، او من التعسّف، الجزم بهذه الحِدّة حول تأثير الرواية على المتلقي، وفيما اذا كان تركيزها على المكان والبيئة ام الانسان. فكلاهما تجدهما في الرواية، وهناك نقّادٌ رأوا ان البطل هو المكان، وآخرون اعتبروها غوصاً في اعماق النفس البشرية لشخوص الرواية المتنوّعين، وغيرهم بحث فيها عن التاريخ الفعلي لجماعة (عائلة، عشيرة، مكان) بشرية بعينها.
في ظنّي، انّ الحكم للمتلقي، فإن افلحت الرواية، في تصعيد واثارة قيمة المكان وقيمة الانسان في وجدان المتلقي، فإنّها تكون قد نجحت في تحقيق هدفها كرواية، وهو اثارة اسئلة حقيقية عند المتلقي اكثر من تقديم اجابات وعظية.
*من وجهة نظري المتواضعة فإن رواية (دير ورق) قدَّمت مجموعة من التصورات والخيارات بشأن مستقبل الأمة العربية، أما الخيار الأول فيتمثل بالتحالف مع الغرب وتمثل هذا الخيار بشخصية (عقيل) وأما الخيار الثاني للخروج من الأزمة فهو خيار القوة والذي يمثله (عقلة السعادة)، وأما شخصية (الشيخ مرشود) فإنها تمثل الخيار الثالث وهو خيار التحالف مع العرب، ما رأيكم ؟
*ربّما كان الاصحّ هو القول انّ الرواية اعادت رسم (التصورات والخيارات)، التي طرحها العرب على انفسهم في مطلع القرن العشرين وعشية الحرب الكونية الاولى، من جديد. وهي خيارات لم يفلح العرب في حسم موقفهم منها طوال المئة عام الماضية، فظلّت تطاردهم كلعنات تاريخية، حتى مطلع القرن الحادي والعشرين، وما تزال، وخصوصاً خيار التحالف مع الاجنبي للخلاص والحرية، فقد حدث ذلك في العراق وفي ليبيا، وها هو يحدث اليوم في سوريا. اتّفق معك بأنّ الرواية اعادت طرح تلك الاسئلة من جديد، بعد مئة عام من المواربة العربية في مواجهتها، تماماً كما اعاد الواقع العربي صفع وجوهنا بها، كحقيقة ينبغي مواجهتها مجدّداً، لأنّ مَن يهرب من اسئلة الامس فإنها تسبقه وتسابقه كأسئلة مستقبل.
*تنبش رواية دير ورق في الماضي الذي يضم أحداثاً طواها النسيان لتستنهض الحكايات الناقصة من أجل استكمال الفراغات في الحياة المعاشة والتي خلفها الفقد. لذا تأتي الشخصيات ما بين الحياة والموت وتتحرك في الزمان والمكان من دون حواجز أو ضوابط ، وهذا ما ساعد على تشييد الشكل الفني للرواية وجعلها تغوص في فلسفة الموت والأرواح التي ترفض نهايتها الترابية؟
*في راسبنا الثقافي العربي العميق، ليس هناك ماضٍ، وخصوصاَ فيما يخصّ تاريخ الناس القريب نسبياً. فالماضي هو ما يمضي من احداث ووقائع، وينقطع تأثيره على حياة الناس الحاضرة. وبهذا، ولأسباب معقّدة، فإنّ ماضي الناس (بمعنى التاريخ) ليس له وجود تحت عنوان (ماضي). واذا كانت بعض الاحداث المؤثّرة في حياة الناس قد طواها النسيان من ذاكرة الاجيال، فإنّ ابسط المتغيّرات كفيلة باحضارها الى الوجود والذاكرة ثانية، كعصبيات ثقافية وكأنّها حدثت اليوم. وليس ادلّ على ذلك من اشكال الفتنة، المذهبية والدينية والاثنية، التي تعصف اليوم بكلّ نسيج مجتمعاتنا العربية، وقدرة اعداء هذه المجتمعات على اثارتها متى شاءت مصالحهم، حتى لو كانت جذورها تعود الى قرن ونصف القرن.
فدير ورق لم تنبش ماضياً، بقدر ما استعادت حضوره في راهن حياة الناس اليوم، ثقافة ويقيناً ومعتقدات. بدليل انّ البناء الفنيّ للرواية ابتدأ عند لحظة راهنة (حديث الراوي)، في لحظة ولادة طفل جميل لشقيق الراوي، واصرار امه على تسميته باسم بدوي خشن (عقلة) في مطلع القرن الحادي والعشرين، أليس كذلك ..؟
*الشيخ مرشود، عقلة السعادة، الجدة حنه، العم توما، الخوري عسّاف، ضاحي السعادة، رشيدة، العيوف، الخال جريس، شتوة اليوسف، الخال طعمة، الشيخ عسران، الشيخ سلامة النويرات، البطريرك فاليركا، البارون سيمونس، الخوري يوسف غاريللو، والأب تيوبالدو نافوني والأب أدريانو سمتس.
أيهم ما زال حاضراً في ذاكرتك ويعيش معك، وما هو أصل قصة رشيدة واختطافها: هل ثمة جذور حقيقية لها في الواقع، أظن أنني ما زلتُ حتى اللحظة متأثراً بالطريقة التي انتهت بها حياة رشيدة التي بُنيت تغريبة (دير ورق) على مأساتها وخطفها واغتصابها؟
*بالنسبة لي، تنتهي علاقتي بشخوص الرواية بمجرّد الانتهاء من كتابتها، واقصد القلق والحضور الخاصّين بتكامل عناصر تلك الشخصيات. اما قصة اختطاف رشيدة، فهي قصة متكرّرة، بتنويعات مختلفة، في معظم مجتمعاتنا العربية، وخصوصاً المشرقية منها، البدوية والريفية على حدّ سواء. غير انّ القصة الواردة بتفاصيلها في الرواية لا اساس لها في الواقع المحليّ الذي تناولته الرواية.
*ارتكزت الرواية بهيكلها العام على رسالة خطَّها الخوري ‘س. س. ن’ حول الكنيسة اللاتينية والمرسلين الأجانب وأحوال الحصن الجغرافية والسكانية والعادات السائدة وحول الصراع الذي دشَّنه المرسلون الأجانب بين العشائر المسيحية وبين هذه العشائر وعشائر المسلمين في بلداتهم المختلفة، وإن كان كاتب هذه الوثيقة يأخذ موقفاً مؤيداً لهذه الإرساليات ويُحمِّل الطوائف الأخرى وخصوصاً الأرثوذكس مسؤولية اختلاق هذا الصراع . فهل هذا صحيح أم أن هناك وثائق تاريخية أخرى ارتكزت عليها الرواية؟
*لا، لم يستند بناء الرواية او هيكلها على الرسالة المشار إليها، وليس هناك وثائق تاريخية اخرى، وكلّ ما اشار إليه حديث الراوي من وثائق هو محض خيال روائي، لاقناع القاريء بمصداقية الاحداث الروائية، واثارة عنصر التشويق في داخل المتلقي لاكمال قراءة الرواية.
* ماذا يمثل لك العنوان الروائي ؟ هل هو عتبة موجهة لعملية القراءة ؟ وهل يمكن للرواية ان تعيش بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا ؟
*عنوان الرواية وغلافها هما جزء مهم منها، وقد يكونان بوابة دخول للنظرة العابرة للقاريء، لكنههما غير كافيان لوحدهما لشدّ الانتباه. اما عن علاقة الرواية بالسياسة والايديولوجيا، فهو ما ينبغي، برأيي، للرواية ان تنأى بشكلها ومضمونها عنهما، لأسباب كثيرة، يصعب التفصيل فيها هنا. غير انّ لكلّ رواية مضامين سياسية او ايديولوجية، قصد صاحبها ذلك ام لم يقصد. ومما ينتقص من قيمة أي رواية هو وقوعها المباشر في فخّ السياسة، او الايديولوجيا، فتفقد عندها عنصرها الاساس كحكاية، في الوقت الذي تخسر فيه هدف كاتبها كسياسة، وانا هنا لا اتحدّث عن الرواية السياسية، بل عن علاقة السياسة بالرواية، كبناء فنّي ومضامين.
* لاحظنا من خلال متابعة روايتك أن الأمكنة تكاد تكون هاجسك في الكتابة، وفيها تجري الأحداث وتتحرك الشخصيات، وثمة تعدد للهجات ومستويات الحكي، وثمة تعدد للأمكنة، وهذا يقودني للحديث عن الأمكنة والفضاءات التي تتحرك فيها روايتك، وهل أن هذا الحضور المكثف للمكان في الرواية هو حقل من حقول البحث عن بنية جديدة للشكل الروائي؟
*بحسب علمي، انّ حضور الامكنة وتعدّد فضاءات الحركة فيها، ليس جديداً في عالم الرواية، العربية والعالمية، فهو موجود عند كثير من الروائيين العرب والعالميين، وكذلك تعدّد اللهجات ومستويات الحوار. اما ما اظنّ انّه جديد فهو تعدّد الرواة ومستويات وجودهم في الرواية، وادخال الانواء والمواسم والزمن (المحلي، والمسيحي المشرقي) على مستويات البطولة البشرية لاحداث الرواية وشخوصها.
*هل يمكن للرواية أن تعيش بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا ؟ ما هي حدود الأيديولوجيا والإبداع.. وأين تكمن الخيوط الفارقة بين جمالية النص الابداعي وأخلاقياته، بمعنى آخر ما هو الالتزام عند محمد رفيع ؟
*لم يعد لمفهوم (الالتزام ..)، في الأدب، معناه ودلالاته القديمة، وان كان البعضُ يصرُّ على الاستمرار في تداوله بذلك المعنى والدلالة. وقد يصحّ اليوم الحديث عن اخلاقيات النصّ الابداعي اكثر من الحديث عن الالتزام بمفهومه القديم. ولعلّ العلاقة بين جماليات النصّ واخلاقياته مسألة يختلف فيها كثيرون، والحديث فيها يطول.
فاليوم، هناك تيّارات ثقافية، جوهر إهتمامها هو الشأن السياسي، ولا تعنيها الثقافة كثيراً، إلا بمقدار كونها ‘إحدى واجهات النضال السياسي..’، أو قُل بمقدار إمكانية تحوّل الثقافة والإبداع إلى ‘حَطَبٍ للسياسة..’. وهي تيارات يحكمها فكرٌ لا يرى للإختلاف والتبايُن مكاناً فيه. ذلك أنّ التَّشَابُه والتكرار هو صوت التنوّع الوحيد، الذي يمكن سماعه في أروقة التشابه. وهنا يتسلّل مفهوم (الالتزام)، ليكون عنواناً مفترضاً لهذا المعنى ..!
أما التيارات الأخرى، فحدّث ولا حرج عن كلّ شيء، من الشلليّة إلى التشابه، إلى آخر أشكال صناعة النجم الثقافي بالتكرار، والتواطؤ الثقافي بأنواعه، الذي لا يرى في الثقافة أو الأدب سوى وجبات سريعة. فيصادر النقد والمعرفة والقراءة، بمدائح عالية الضجيج، أو بشتائم ذات ضجيجٍ أعلى، لا تتيح لأحد التفكير أو إلتقاط الأنفاس..!؟ ناهيك عن الإبداع المؤسّسي، في إعادة إنتاج وتأهيل عناصر وشخصيات، من تيارات مخالفة ومختلفة، ثمّ تتويجها كحالات إبداعية ‘أولى..’، في أجناس الثقافة المتعدّدة، بما في ذلك نماذج مثقّفي ‘ما بعد الحداثة..’، الذين ينتعلون ‘الخفّة..’ وأشياء أخرى، في أقدامهم، أثناء حضورهم إلى الأماكن الثقافية الراقية، على حدّ تعبير أحد الأصدقاء في مؤسسة كبرى، حين عيّن موظفاً خاصاً، في مؤسّسته، للتعامل فقط مع مثقّفي ما بعد الحداثة..!؟
في الرواية، شكلاً ومضموناً، لا أشعر انّها يجب ان تحمل على كاهلها، بشكل مسبق، ايّة اهداف مسبقة، وخصوصاً السياسية منها. وربّما كانت السياسة مقتلاً لكثير من روايات لم تُقرأ من قِبَل كثيرين.
*بعيداً عن الأدب ؟ تشغلنا في الفترة الأخيرة الثورات العربية .. تلك الثورات التي غيرّت من خريطة الأنظمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج و أخرجت الشعوب العربية من صمتها .. وسؤالي: كيف تراقب الوضع العربي الراهن؟ وما هو دور المثقف العربيّ في التغيرات الجذريّة الحاليّة ؟ وبرأيك،ما هو المعوق الأساسي في أن يكون للمثقف دور مؤثر على حركة الشارع والناس والحياة ؟ ما هو دور المبدع كما يراه الروائي محمد رفيع ، وبصيغة أخرى، هل استطاع المبدع أن يكون مؤثراً في تلك الثورات قبلها وبعدها ؟
*للأسف اخي نضال، فما نزال نمشي، ونحن على ثقة بأنّ الشمسَ تُرصِّعُ أمسَنا كلّه، وانّنا وايّاها نسكن البلد نفسه..!
أغلب الأنظمة السياسية العربية، التي تشكّلت في مرحلة الإستقلال الوطني، ليست ديمقراطية، وهذا مِن نافلةِ الكلام. بل ووصل بعضها، في تطوّر أحواله، إلى مراحلَ متقدّمةٍ من الطغيان والإستبداد.
في زمنِ الحقبة الأمريكية، التي اجتاحت المنطقة، منذ أكثر مِن عقدين، تخلّعت أركانُ تلك الأنظمة، تحت ضغط رياح ذلك الإجتياح، غير أنّها لم تسقط. وحده، الإحتلال العسكريّ المباشر ما دمّر النظامَ والدولة ووحدة الشعب في العراق، تاركاً بذلك هشاشة، في كلّ البُنى السياسية، المُمتدّة على طول القارّة العربية.
كلّ ما سبق، تركَ المنطقة، برمّتها، تتحرّكُ على أرضٍ رجراجةٍ، وبهشاشةِ أجسادٍ سياسيةٍ غير مسبوقة. وفي الوقت نفسه، أيقظَ حذَرَاً شعبياً، عندَ كلّ شعوبِ المنطقة. فتماسَكَ الداخلُ القُطريّ العربيّ، على ما هو متوافرٌ من وجودٍ مستقلّ، على الرغم من كلّ ما فيه، مِن خرابٍ وفسادٍ واستبدادٍ.
بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وبالتسارع المحليّ في تطبيقات العولمة، وعلى رأسها مشاريع خصخصة القطاعات العامّة ومؤسّساتها، إضافة إلى التراكمِ الفادح للمظالم، التي صار لها عنوانٌ وحيد هو ‘الديمقراطية..’، انفجر الداخل العربيّ، وعلى نحوٍ بدا موحّداً، أو متأثّراً ببعضه بالتوالي، والحقيقة غير ذلكَ تماماً.
فوجئ الغربُ، كما فوجئت الأنظمة المعنية نفسها، بحجمِ وجذريةِ القطاعات الشعبية المشاركة في الإحتجاجات.
في اللحظة الراهنة، وما سيليها، يحاولُ الغربُ احتواءَ ما جاءَ متأخّراً، وفي غيرِ مواعيدهِ المطلوبة، و’بسيناريو..’ سياسيّ لا إبداعَ فيه، مثّلَ النموذجُ الليبيّ أصفى حالاته. أما الأنظمة العربية، فتحاولُ أيضاً، ومن دون ابتكارات خلاقة، مُمكنات ‘الأب البطريركيّ..’ التقليديّة، مُتحصّنة بالأسوأ، ألا وهو قدرتها على استخدام قوّتها الرهيبة، ومن دون قيود، في انهاءِ الاحتجاجات، في النهاية.
نخطيء إذا حسبنا أنّ الملايين العربية خرجت إلى الشوارع بتوجيه وتحكّمٍ من أحدٍ بعينه. فالدول والقوى الكبرى لا تصنع ثورات، بل هي لا تستطيع إن أرادت، فهي قد تصنع حروباً، لكنها لا تخلق ثورات. كما أنّها، وفي أفضل الحالات، قد تنجح في خلق بيئة ملائمة للثورة، لكنّها لا تتمكّن من تحديد توقيتها والسيطرة عليها. وربما كان ذلك ما يفسّر الإرباك والانقسام، الذي عمّ الدولُ الكبرى، وما يزال، أثناء تحديدها لكيفية التعاملِ مع أحداثِ العالمِ العربي، وحدودِ تدخُّلِها العسكري فيه..!؟
إنّها مرحلة إنتقالية طويلة الأمدِ، بين ‘أنظمةٍ قيدَ السقوط وأخرى قيدَ الإعداد..!’. وفيها، تحرص القوى الكبرى على مصالحها أوّلاً، عبر فصل الثورات عن جغرافية الثروات. أما النتائج والمحصّلات، فإنّ تلك القوى تراقب وتُعدّ، وتؤثّر هنا وتتابع بحذرٍ هناك، وتبذل كل ما في وسعها، من أجل دفع الأمور، وفي كلّ الأحوال، إلى السير نحو الإستقرار باتّجاه مصالحها، إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا..!؟
لقد امتلأت الرؤوس بـالقشّ القذر، واختفت الرؤوس المشتعلة بـالأفكار والأحلام والآمال العظام، في حياة مجتمعاتنا. وانزوت بعيداً أدوارُ مَن هم معنيون بإثارة أسئلة التنوير والتطوير الفعلي وإعلاء القيم النبيلة، وبحمل رسالة وفلسفة تسبق الرأي العام. أما رجل الشارع، والقارئ العادي، فقد وصل إلى مرحلةٍ بات يشعر فيها بأن مَن يكتبون له ليسوا بأفضل منه في معارفهم. فكان من الطبيعي أن تتزاحم، في حياة الأمة الضائعة، مفاهيم الثقافة الخاوية، أو للدقّة قُل المحتلّة أذهانها بأفكار خصومها وهواجس الخوف منهم.
وبعيداً عن الوعظ والتنظير، فانّ مسؤولية المثقّف ومهامه تجاه مجتمعه تبقى، نظرياً، من أخطر المسؤوليات العامة في حياة الشعوب. ذلك أنّ الكتابةَ رسالةٌ فكرية، يمارسها المثقّف كجزء أساسيّ من مهامّه، عبر طرح الأسئلة الحقيقية، وممارسة النقد البنّاء للموروثات الاجتماعية، وكشف وتظهير عيوب السلطات، وغيرها.
ولعلّ أضعف الايمان، فيما يمكن للمثقف القيام به، هو دفع الناس نحو ‘التفكير النقدي..’، في كلّ المسلّمات السياسية، والحثّ على ‘مراجعة الأفكار..’ التقليدية المستقرّة في الاذهان. غير أنّ ما نراه، في زمن ‘الربيع العربي..!’، هو تزايد الراكضين من حقول الثقافة الى حقل السياسة، وبتهافت عجيب ..!؟
*ما رأيكم بعلاقة المثقف بالسلطة ؟
*كثيرون، توقّعوا أن تتزايدَ أهمية دور المثقّف في العالم العربي، قُبيلَ اندلاع موجات الربيع العربي وبعده. بل وقدّر بعض الخبراء أنّ النخب الثقافية العربية عليها القيام بدور لا يقلّ أهمية عن الدور الذي قام به المثقفون في أوروبا..!؟ وذلك على الرغم من تزايد صعوبة القيام بهذا الدور شيئاً فشيئاً، وخصوصاً في أوقاتنا الراهنة، بسبب آليات ووسائل العنف المتصاعدة، التي تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية في عالمنا العربي.
والحقُّ، أنَّ جوهرُ العلاقة بين السياسيّ والمثقّف هو صراعٌ معقّد، يأخذ أشكالاً عديدةً، يُهيمنُ فيها السياسيّ، ويتبدّد فيها المثقّف في المحصّلة..!
فالســـــياســيّ يلجأُ إلى محاربة ‘المثقف الرافض’، من خلال نموذج ‘المثقّف التابع..!’، وذلك عبر استراتيجية ‘الحرب بالإنابة. حربٌ تَدفعُ ثمنها عادة فئةُ المثقفين بعامّة، بصرف النظر عن مواقعهم، سواء كانوا رافضين أم تابعين.
فبالتهميش والاقصاء، والاستبعاد عن الساحتين الثقافية والسياسية، كوسيلة ثانية لمحاربة المثقّف الرافض، يتواصل الصراع بين السياسيّ والمثقّف. أما الوسيلة الثالثة في هذا الصراع، فهي ‘استقطاب المثقفين’، وعرض وتقديم الإغراءات المادية والسياسية إليهم.
ولا يختلفُ كتّابُ الاحزاب والتيارات السياسية عن كتّاب السلطات القائمة، فهؤلاء يعمدون إلى ‘أسلوب التبرير والتسويغ..’ لآراء أحزابهم السياسية، أو السلطات التي يدافعون عنها. فيتحوّلون تلقائياً إلى ‘كَتَبَةِ خطابات..’، أو ‘مُروّجين لبضاعة فاقدة لقيمتها الشرائية..’. وذلك ببساطة شديدة، لأنّ وسيلة هؤلاء الأساسية هي تزوير الحقائق والاشياء والاحداث والتاريخ. ناهيكَ عن التذبذب الشديد في تغيير ولائهم، تبعاً للظروف وتلبية لمصالح الزعماء والقادة والمسؤولين.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، فإنّ الحاجة إلى المثقفين تتزايد في ظلّ الأنظمة الاستبدادية، نظراً لقيام هذه الأنظمة بإفساد كلّ شيء في حياة الناس والمجتمع، عبر تزوير كلّ الحقائق وتهشيم المعايير الخُلُقية والقِيَميّة. وهنا بالتحديد، تكمن أهمية المثقفين، في ممارسة التنوير والالتزام القيميّ والخلقيّ في المجتمع، ومساعدة الناس على الانتصار على عالم التزييف والحقائق الخادعة، التي جرى تعميمها.
*ما هو مفهومك الخاص للحداثة بعيداً عن تنظيرات الأخرين؟
*لا بُدّ من الإعتراف، من أنّ هنالك ‘مصالح وثقافات مناهضة للتقدّم..’ نَمَت وترعرعت، في داخل نموذج الدولة العربية وكيانها القُطري. وهي مصالح قوامها: التدثّر بقشرةٍ ثقافية، ذات طابع حداثيّ شكليّ، وبمضمونٍ تقليدي أجوّف. فدخلنا في كهوف العصر، أو قُل خرجنا منه (أي العصر ..)، وعطّل الإستبدادُ الحيويةَ الثقافية والسياسية معاً، وأوهن إمكانية مواصلة المشروع النهضوي العربي لمسيرته. لنصل إلى راهنٍ مُثخنٍ بحصيلة من التشوّهات الإجتماعية بالغة السلبية، وإلى حالة من الإنفصام المروّعة، بين استخدام وسائل الحداثة، وخصوصاً في ‘بعض قطاعات الإقتصاد وتقنيات الأمن..’، وبين ‘انتشار الثقافة التقليدية..’، كوعي شعبي سائد.
فتكوّنت أنظمة سياسية في المجتمعات العربية منفصلة عنها، ولا تشبهها في ثقافتها وتطلعاتها، ولا تشركها في قراراتها، ولا تعطيها حرية المبادرة. فتحوّلت الثقافة التقليدية، في الأقطار العربية، إلى ‘قوة صدم فاعلة..’، وإلى عامل انفجار، بديلاً من تحوّلها إلى عنصر نموٍّ منتج. وجاء ‘الإنفجار العربي..’ اليوم، كنتيجة تصادمٍ طبيعية، بين مكوّنات لم يعد ممكناً ضبطها بوسائل قديمة أو تقليدية.
بانفجار الحلقة السياسية للكيانات الاجتماعية، تدخل المجتمعات في دائرة العنف، المسمّاة بالحروب الأهلية، وإن اختلفت أشكالها، ما يعني فقدان القدرة على السيطرة على دوائر العنف فيها من داخلها.
صديقي نضال، قد يكون من التعسّف الحديث عن اشكال حداثة مُدّعاة (..!) في هذا الهواء الفاسد، المقيم في غرفٍ حبيسة على هيئة أوطان.
ففي المحميات، التي يديرها قطّاع طرق، جاؤوا من منافيهم لتوّهم، يختلف كلُّ شيء. فاللغة، وحبّة القمح، وإبرة الأنثى، وحجل الرافدين، وخيل العرب، وخيوط الذهب، كلّها تصلح أن تُعلَّقَ أزرارَ زينةٍ، على قمصان قراصنة، لا يأبهون إلى قيافة هندامهم الجديد..!؟
وفي الأزمان، التي تصبح فيها العواطف والمشاعر والغرائز في متناول كل يد، فإنّ حقائق الحياة الثقافية اليومية تختلف، بما في ذلك حقائق الطبيعة ذاتها. فرائحة العشب قد تختفي بعد المطر. وَوَشْم خطى الذئاب، على طريق ضحاياها، قد يصبح دليل طُهر، وسُراة أتقياء. والسيوفُ، التي أطالت المكوث في أغمادها، قد يكسرها قطْرُ ندى. وقد تغنّي الضباعُ، على هيئة نحيب، قرب ضفاف النهر، لتُشجي ذئاباً عادت من وليمتها، قبيل الفجر.
مِن حقّ الجَمال، بكلّ اشكاله، أن يهرب من حياتنا إذاً. ويشفع له، في أن يكون أوّل الهاربين وأسرعهم، أنّ من طبيعته أن يعيش محلّقاً. فكيف إذا كان كلّ شيء، في حياتنا، يحثّه على النجاة، أو الاختناق ذعراً ..؟!.
ليس الجمال وحده، يا صديقي، هو ما يفرُّ من دروب عيشنا، بل والقدرة على رؤيته وتذوقه والاستمتاع به أيضاً. فالهواجس الكبرى تُهبِطُ معها أزماناً ثقيلة على صدور الناس. والصباحات، التي تبدأ بكلّ هذا الضجيج، ليست صباحات، والنهارات، التي تحمل على ظَهر ظهيرتها هذا المدى، من التوتّر والصخب، ليست نهارات. فكيف للهاربين، من كلّ هذه الأوقات، لائذين إلى مخابئ بيوتهم، أن يعبروا (حداثات ..!)، مفترضة، في واقعهم، او أن تُخرجهم نداءاتُ وعظٍ خفيضة، إلى ما تبقى مِن مساءات..؟!.
* دعني أسألك سؤالا أخيراً: الآن بعد كل هذا الذي تحقق أين أنت، وماذا عن تصورك للمستقبل، هل أنت الآن في حالة صمت أم في حالة كتابة؟ وبماذا تختتم هذا الحوار ؟
*ما أضيق العيشُ لولا فسحة الأمل. فكيف بالعيش، حين يكون القلق أبرز السمات البارزة لعصرنا الراهن..؟! ما يجعل إندفاعة الناس، نحو حافة فقدان الأمل واليأس، كبيرة جداً. فللفرح غريزته، عند الناس. والحزن أيضا كذلك. وللفطرة والفضول والأحلام والأوهام بهجتها. غير أنّ (الواقع دائما صفّاع). وصارم وحاسم (كحسم الغزاة). وقادر، بقوة وقسوة، على كسر الأحلام والأمل والفرح والبهجة، والأفكار ايضا..!؟
اما عن الصمت والكتابة، اذا صحّ التعبير، فاستطيع القولَ انّني غارقٌ في (قرن العرب الهجري الرابع) أي قرن (العالم الميلادي العاشر)، حيث كان الغرب في (غياهب توحّشه وقرونه الوسطى)، وكان العربُ في اشدّ حالات (فساد حياتهم السياسية والاقتصادية)، وفي ارقى حالات (نهضتهم الفكرية والثقافية والادبية) في الوقت نفسه ..!
قرن المتنبي، وقرن ابي العلاء المعرّي، الذي يأتيك صدى صوته، قادماً من غياب ألف عامٍ عربيّ: (كذبَ الظنُّ، لا إمامَ سوى العقل مضيئاً في صبحه والمساء). .! ولا أحدَ منّا يصغي اليوم لهذا الصدى، في الزحـام الذي يمتدّ في بلاد باتت تسمّى ‘مينا..’، اختصاراً للأحرف اللاتينية لاسمها الجديد ‘الشــرق الأوسط وشمال إفريقيا’..!؟ فالزحمة، والنســيان يطويان معاركَ أسلافنا المبكّرة من أجل النهضة والتنوير.
وفي الختام، وعلى الرغم من كلّ ما سبق، تبقى الحياة، بلا أملٍ، مستنقعاً كبيراً، أياً كان تفسير الأفراد لمآلاتها. ذلك أنّ تسفيه اليقظة يصعب أن يهزم الأحلام. فثمّة طاقة خفيّة، تحملها الأحلام، ما إن تنجح في التوافر على ظروف تحوّلها الى اجتراح معجزة خلقٍ أو إبداع، حتى تمنح الحياة، بما هي يقظة وواقع، ذروة أخرى، وفضاءً أوسع، تمكّنها من تخطّي ذاتها، بصرف النظر عن ملهاتها أو مأساتها. ربّما كان علينا ان نستعيد من جديد (طاقةُ الأحلام .. وأسئلةُ الأمل).


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة