السبت 2024-12-14 20:50 م

الزعتري .. ابكتني الطفلة رغد !

11:02 ص

أمس الاول كنت في مخيم الزعتري الذي أصبح عدد سكانه بحجم عدد سكان مدينة أردنية اذ تجاوز الأربعين الفاً بزيادة التدفقات الكبيرة من اللاجئين الذين ازداد عددهم ايام العيد .. انتفخ المخيم وقامت فيه شوراع حاصرت الغبار ودخلته الكهرباء وانتشرت في خيامه لتنصب دشات المشاهدة التلفزيونية.. كما انتشرت دكاكين صغيرة لبسطات على طول الشوارع الداخليه وحتى في الزنقات المتفرعة وتكاثرت لدرجة اعتقدت فيها ان كل خيمة اقامت أمامها بسطة للبيع فالكل يبيع على الكل وهناك معروض كثير وبيع قليل لعدم وجود سيولة بين يدي اللاجئيين ..

في المخيم تباع سلع قديمة ومستعملة من الملابس وأخرى من الأغذية لا توجد رقابة على زمن انتهائها وصلاحيتها وأنواع من السجائر المهربة من تلك التي لا تباع في عمان .
وفي المخيم سوق سوداء ومراكز قوى تتحكم في البيع والشراء ويبدو ان معظم البسطات إما لجهة واحدة أو لجهات قليلة تفرض شراكتها عليها لتسمح لها باستمرار العرض ..
عدت الى الزعتري للمرة الخامسة وقد تغير عما كان عليه حين زرته آخر مرة فقد استبدلت بعض خيامه بكرفانات مازال عددها قليلاً فالمخيم يحتاج في حد ادنى الى (8) الآف كرفان اذا ما وضع كل خمسة أفراد من عائلة في واحد منها . واذا ما بقي العدد يتزايد فإن الرقم سيزداد . ولم يتوفر من هذه الكرفانات في المخيم حتى الان سوى(200) فقط، مائة اقامتها الامارات العربية ومائة اخرى اقامتها سلطنة عمان. وتبرعت المملكة العربية السعودية ب(2500) كرفان مازالت لم تنصب في مواقعها ولم تصل حيث جرى اعداد مكان مجاور للمخيم لاستيعاب الكرفانات بعد ان جرى رش الارض بالحصمة وضغطها لمنع ثوران الغبار ..
نحن على ابواب الشتاء وهناك تقارير دولية متضاربة عن المخيم وموقعه وجدواه وحجم العمل فيه . ومازال الأردن يبذل جهوداً كبيرة رآها الزوار الدوليون وآخرهم رئيس الوزراء البريطاني كاميرون أمس الاول والذي زار المخيم واستمع لايجاز عن العمل والحاجات وقد تابعت زيارته وسبقنا حضوره لافتتاح صالة العاب للاطفال اقامتها «جمعية البداد الخيرية» في خيام ضخمة خصصت احداها كدار عرض لأفلام الأطفال في حين انتشرت الالعاب داخل الصالة الأخرى وخارجها .. كان وزير الاشغال العامة يحيى الكسبي ورئيس جمعية البداد الخيرية والسفير العماني قد افتتحوا مركز الترفيه للاطفال نواة لنشاطات رياضية وترفيهية وثقافية أخرى ..
جاء من يوزع من الجمعية العاباً..وفجأة وجدنا ان عدد الاطفال الذين تجمهروا يزيد عن الآلف طفل وطفلة لم تكن الالعاب تكفي لهم فكان الصراخ والبكاء والألم .. كان المشهد مأساوياً ..
الطفلة رغد الصغيرة لم ينلها الا غلاف أحد الالعاب وهو صندوق كرتوني في حين كانت اللعبة من نصيب طفل آخر فالكمية لم تكن تتجاوز(500) قطعة .. حين خرجت وجدت رغد الصغيرة ذات الاعوام الخمسة قد جلست تبكي بحرارة وتلطم على وجهها في منظر استوقفني خارج الخيمة واعتقدت انها اضاعت امها في الزحام فاقتربت واستمعت كانت تكلم صورة اللعبة وتضع اصبعها الصغيرة على عينها وتقول «بدي اياكِ .بدي اياكِ» ..تكلم نفسها وتقول بدي لعبة و تبكي بحرارة ثم بدأت تُقّبل الصورة وتحضنها.. كان صوت البكاء فيها قد أجهش وبدأت تلطم وجهها بيدها .. اقتربت منها وقلت: اين لعبتك؟ .. قالت: ما في اعطوني هذا بس! .. لم اكن استطيع ان اعوضها .. لم تتوقف عن البكاء وعتاب العلبة الفارغة .. بعد دقائق جاء اخيها الصغير يبكي فقد وقع عن المرجوحة التي ازدحم عليها المئات كان مدمي اليدين وجلس الى جوارها وراح يبكي .. كان المنظر مأساوياً .. هزتني الحسرة وتألمت .. اكثر من 70% من سكان مخيم الزعتري من الأطفال دون الثانية عشرة . انه اشبه بمدرسة رياض أطفال معظمهم لا يلبس في قدميه شيئاً.. مغبري الرؤوس .. يائسين.. قلت هذه الآلاف اين تذهب؟ . والى ماذا يجري اعدادها؟ .. أصبت بتداعيات في التفكير الداخلي كيف يعد اعداؤنا اطفالهم لمقاتلتنا كعرب؟ وكيف نعد كعرب اطفالنا؟ غرقت في الحزن والبؤس لدقائق .. ولم يوقظني من هذه الحالة سوى زميلي الذي توجهت الى المخيم بسيارته وهو يقول .. لقد غادروا هل ستبقى هنا !!!
صعدت للسيارة وفي فمي مرارة ... وقلت كم لعبة في كل بيت من بيوت القادرين منا.. الا يوجد حتى العاب مستعملة او كبر عنها صغارنا؟ .. الا يوجد دفاتر واقلام واصابع الوان؟ .. ألا يوجد؟ .. لماذا لا نطفيء بهذه الاشياء البسيطة حزن هؤلاء الاطفال وحرقة قلوبهم . فالعيد لم يصلهم وحين وصلتهم اطلالته أمس من جمعية البداد لم تكمل فرحتهم فقد بقيت دموع رغد تنهمر ومازالت يد اخيها في الرابعة تنزف لوقوعة عن المرجوحة التي اغتصبها من هم اكبر منه !!!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة