كان جدي كعاده شيوخ المدن ... يلبس في الصيف ثوب ابيض وفوقه بالطو من ' الكتان ' الناصع البياض..وفي الشتاء يرتدي بالطو من الصوف الداكن فوق ثوبه الغامق ..وذات صيف وكان ذالك عصرا....كنت قد صعدت الى اعلى بيت جدي وحدي وانزويت في ركن ظليل منه ومعي العديد من الجرائد والصور التي كان يحلو لي افتنائها...انسقها وانظمها لاحتفظ بها بعيدا عن ايدي اشقائي الصغار.
وفجأة..كان جدي 'عبد الحافظ' واقفا يصفق بيده ويناديني واولاد عمي الصغار فلما نظرت اليه من اعلى الدرج....طالبني باحظار اشقائي من اولاد عمومتي والنزول اليه بسرعه...اسرعت اولا الا جدتي فوجدتها قد ارتدت 'مدرقه' وتعطرت استعدادا للخروح,وفي لمحه كنا نقف على باب البيت وامامنا جدي اراه لاول مره في حياتي يرتدي بدله افرنجيه ...وفي يده عده مفاتيح ....وهو يشير الى سياره كبيره سوداء...واقفه امام الباب...ينظر الى جدتي مبتسم ...ثم ينظر الينا..كنا اول من اشترى سياره في المدينه كلها...وكما كان بيت جدي من اوئل البيوت التي كانت تضاء بالكهرباء...ومع وجود السياره وعلى ما اذكر تزايدت السهرات العائليه التي لا يحضرها الا الخاصه من الاهل ...ومع احتكاكي بجدي الرائع راحت شخصيته تنكشف لي اكثر ....
لقد كان رجلا اسطوريا بحق...كان شديد الذكاء...حاضر الفرح والنكته...لا يطيق الحزن...يسخر من كل شيء حتى من نفسه....لا يحتمل بقاء مليم في جيبه لا يصرفه...قوي الذاكره...سريع البديهه اذا جلس اليه انسان شعر بالسعاده والاطمئنان ...لم يكن يحمل اي حقد او ضغينه لاحد ....لا يغارمن احد ولا يمنع شيئا عن احد....كان يعطي ولا يأخذ ....يعطي من نفسه ويعطي من ماله ولا يحتمل التعاسه باي حال من الاحوال...همه الوحيد ان يبقي العائله متجمعه دائما.
ليس القصد ان اعد مناقب جدي....ولكن شخصيته هذه كانت بمثابه اكتشاف بالنسبه لي جعلني ازداد ارتباطا به ومحبه له..واتاحت لي ان احيط بالجانب الذي لم اكن قد عرفته بعد من جوانب حياته العريضه ..وجاء ذالك بعد اقتناء السياره مباشره... فمنذ اليوم الاول وهو لا يركبها الا وانا معه. حتى بعد ان اقلع عن ان يسوقها بنفسه واستأجر سائقا ..كان يتشبث بملازمتي له دائما.
عندما فقدت جدي وفقدت ملازمته بدأت الوحده تلازمني شيء فشيء ان الاثر الذي تركه في طفولتي يكاد يتعدى والذكريات التي اكتبها , كان مرجعا لي ولوالدي وللعائله ولا اخفي انه قد زرع فينا بذور الخير وبذور العطاء والترابط بالعائله وهنا لم اذكر الا لمحات عابره ابرزها ما سيطر على نفسي من تاثيرات رجل عظيم اذ اراني ازداد التصاقا به وبمقولاته بعد موته حتى لا اكاد اذكر شيء من حياتي الا تلك الايام التي قضيتها معه من طفولتي وانا بعد السابعه وحتى العاشره من عمري.
زيد القعيسي الشوابكة
zaed_ju@yahoo.com
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو