ما جاء في بيان رئيس الوزراء حول السياسة الاقتصادية، كان مرافعة موفقة. وكل ما فيه من وقائع ومعلومات كان صحيحا. لكنه يمثل وجها واحدا من الحقيقة التي أغفل البيان وجهها الآخر.
وفي مقال سابق، كتبت أن الحكومة حققت نجاحا ماليا وليس اقتصاديا؛ فأرقام المالية العامّة تحسنت، وتم تصحيح الأوضاع الخطيرة ووقف التدهور، والحكومة مارست بدرجة جيدة الحاكمية الرشيدة، وتمكنت من عبور عنق الزجاجة الذي دخلنا فيه منذ 3 أعوام. فبعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ثم 'الربيع العربي'، ثم ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات شاهقة، وتدهور الحال في العراق وسورية، كان الوضع خطيرا للغاية. وتمكنت الحكومة على مدار ثلاثة أعوام من إنقاذ المالية العامة، والحفاظ على ثقة المؤسسات الدولية.
لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الاقتصاد بمفهومه الكلي؛ إذ لم نر جرأة وإبداعا وتغييرا تنقل الأردن من مستوى البلدان منخفضة الدخل وضعيفة الإنتاجية، إلى بلد نموذج في التقدم والازدهار الاقتصادي. وهذا مشروع له أبعاد متكاملة؛ اقتصادية وثقافية واجتماعية، لكن السياسة الاقتصادية بقيت في الجوهر هي نفسها، تقليدية ومحافظة، مع كل عناصر الخلل المعروفة للمسؤولين بحقائقها الموجودة لدى وزارة التخطيط؛ من مستوى الاستثمار أو التوسع في المشاريع الصغيرة والإنتاج الزراعي والصناعي، ومستوى البطالة بين الشباب، وحدود مشاركة المرأة في سوق العمل، ونسبة العمالة الأجنبية التي تحتجز قطاعات كاملة، وهي زادت مع اجتياح العمالة السورية، وانتهاء بالفصام بين التعليم والاقتصاد وسوق العمل، والهدر الكبير في الوقت والجهد بسبب ترهل الإدارة والبيروقراطية والفساد الصغير المنتشر في المرافق. وهذه عوامل أساسية طاردة للاستثمار ومعيقة للإنتاج ومحبطة للناس، وأغلب مؤشرات التنمية البشرية تضعنا في مرتبة متأخرة حتى على المستوى العربي.
وسوف أعلق على نقطة لافتة في تقرير الرئيس. فقد أخذ المستويات المنخفضة لضريبة الدخل ليرد التهمة عن هذه الحكومة بأنها حكومة جباية، وأعطى أرقاما عن التحصيلات من ضريبة الدخل باعتبار ذلك ميزة إيجابية تسجل للحكومة، مع أنها السلبية الأكبر في السياسة الحكومية؛ لأن الإيرادات الداخلية هي مصدر تمويل الموازنة، ومع ضريبة دخل لا تشكل أكثر من 10 % من الموازنة، فإن الباقي يتم تحصيله عبر القنوات الأخرى، وهي أساسا ضريبة المبيعات والجمارك والرسوم، وهذا ذروة الخلل الاقتصادي. ففي الاقتصادات المتقدمة، تشكل ضريبة الدخل نصف الإيرادات الضريبية، بينما الضريبة على المبيعات لدينا تزيد على أربعة أضعاف الضريبة على الدخل؛ أي أن الدولة تحصّل المال من الدخل الأساسي للمستهلكين، بدل تحصيله من فائض الثروة، أي من الضريبة على الدخول الفائضة على الاستهلاك. وما تزال الدولة لا تجرؤ على فرض ضريبة على أرباح الأصول الرأسمالية، كالأسهم والعقار، مع أنها موجودة في أم الرأسمالية العالمية، مثل الولايات المتحدة الأميركية. إن ضريبة الدخل عندنا تعد الأقل عربيا ودوليا، وتعادل 2 % تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بسبب القانون نفسه من جهة، والتهرب الضريبي من جهة أخرى، في مؤشر على النفوذ الطبقي للأثرياء على قرار الدولة، كما أنه مؤشر فشل إداري جدير بالدول الأكثر تخلفا. فتحصيل ضريبة المبيعات أسهل وأيسر، وهي ترتفع باطراد مقابل ضريبة الدخل.
السياسة الاقتصادية الفعالة والموجهة للنهوض، يجب أن تضع لنفسها هدفا برفع ضريبة الدخل إلى ما لا يقل عن 8 % من الناتج المحلي. وهذا يسمح بتخفيف الضغط الضريبي على السلع والخدمات الذي يسهم في الانكماش. ويسمح بتوجيه الدعم لمستحقيه ودعم المشاريع الريادية ورفع الرواتب والأجور، بالتزامن مع أنظمة صارمة لربط العلاوات بالإنتاجية والأداء.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو