السبت 2024-12-14 12:19 م

الضريبة: أين الرؤية الإصلاحية؟!

07:24 ص

تشكو الحكومة من أن مساهمة ضريبة الدخل لا تتعدى نسبة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل إسهام الضرائب غير المباشرة بنسبة 11 % من هذا الناتج.

الحديث الحكومي يهدف إلى زيادة نسبة الإيرادات من ضريبة الدخل، وصولا إلى المستويات العالمية المقدرة بـ5 % من الناتج المحلي الإجمالي.
تبعا لهذه الرواية، تسعى الحكومة إلى زيادة الأموال المتأتية من ضريبة الدخل، من خلال زيادة النسب المفروضة على الأفراد في مشروع قانون الضريبة الجديد. وهي المسألة التي لم يتنبّه لها كثيرون، وتعتقد الحكومة أنها تستطيع تمريرها من خلال مجلس النواب، خصوصا بعد أن أبقت إعفاءات الأفراد على حالها؛ بقيمة 24 ألف دينار للأسرة، ونصفها للفرد.
حاليا، لا تتجاوز الإيرادات المتأتية من ضريبة الدخل على الأفراد مبلغ 150 مليون دينار. وتبعا لتقديرات دائرة ضريبة الدخل، سيوفر مشروع القانون الجديد للخزينة العامة نحو 140 مليون دينار إضافية.
بحسب مشروع القانون المقترح، والذي يُدرَس اليوم من قبل النواب، سترتفع ضريبة الدخل على كل من يزيد دخله على 2000 دينار شهريا بنسب متفاوتة؛ تبدأ من 60 % وتنتهي بنسبة 46 %. وكمثال على ذلك، فإنه بحسب القانون المطبق حاليا، يدفع من يبلغ دخله 2500 دينار شهرياً ضريبة دخل تصل إلى 1680 دينارا سنوياً، ستزيد بموجب القانون الجديد لتبلغ 2700 دينار سنوياً؛ أي بنسبة زيادة تصل 60.7 %. وهذه نسب مرتفعة، تنطوي على إغفال لمبدأ حماية الطبقة الوسطى.
لا خلاف بشأن ما تقوله الحكومة فيما يتعلق بحجم الإيراد من ضريبة الدخل، ولا ضير من زيادة ضريبة الدخل، إنما في حال التفكير، مثلا، في مراجعة سلّم ضريبة المبيعات أو الضرائب المباشرة، والتي تتأتى معظم الإيرادات المحلية من خلالها؛ إذ تبلغ حصيلة ضريبة المبيعات نحو 2.8 مليار دينار للعام 2014، فيما تقدر الايرادات المحلية للعام الحالي بنحو 5.8 مليار دينار.
الحكومة لم تسعَ لمراجعة كامل النظام الضريبي، والأخطر أن ثمة تفكيرا جديدا يتعلق بزيادة النسبة العامة لضريبة المبيعات، لترتفع من 16 % إلى 18 %. فهذه خطوة لا تعكس إلا فكرة واحدة، هي الجباية، وزيادة الإيرادات الضريبية بمختلف أنواعها، بغض النظر عن حجم العبء الضريبي الذي يقع على كاهل المواطن الأردني، والذي تقدره الحكومة بنسبة 33 %، والتي تعد حتماً نسبة مرتفعة.
كان الأَولى بالحكومة بدلا من العمل بشكل منفصل على ضريبتي الدخل والمبيعات، مراجعة النظام الضريبي كاملا. فالعمل بـ'القطّاعي' يعكس ضعفا مهنيا، وإدراكا محدودا للمعنى التنموي والسياسي والاجتماعي للنظام الضريبي المطبق، ودوره في إعادة توزيع مكتسبات التنمية على الجميع.
وكان من الضرورة، في هذه المرحلة الحساسة سياسيا واقتصاديا، أن تقدم لنا الحكومة رؤية إصلاحية حقيقية؛ تعالج التشوهات في النظام الضريبي، وفق مضمون يكرّس الضريبة كمفهوم إصلاحي شامل، بعيدا عن فكرة الجباية.
بدلا من أنْ تفكر الحكومة في زيادة ضريبة المبيعات، يُفترض أن تُقدِم على تخفيض هذه الضريبة التي طالما اتُهِمت بأنها غير عادلة، وتؤدي مفعولا معاكسا لفكرة إعادة توزيع الثروات، خصوصا أن هذا النوع من الضرائب يسدد من الفقير قبل الثري.
لطالما كانت التشريعات الضريبية في الأردن أحد أشكال التشوهات التي تعمق الفروقات وتحد من العدالة الاجتماعية، وكانت كذلك أحد أسباب فشل إعادة توزيع مكتسبات التنمية. لكن هذه التشوهات تتعمق وتزداد، في ظل ما نشهده من توجهات حكومية تتعلق بالضرائب المباشرة وغير المباشرة. تجهد الحكومة في التخلص من وصفها بـ' الجباية'، ومع ذلك ما تزال تفاجئنا بأفكار، وتؤكد أن زيادة الإيرادات هو هدفها، وليس تحقيق العدالة وتوزيع المتكسبات بعدالة.، بعيدا عن الأثر السياسي لمثل هذه التوجهات.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة