الأربعاء 2024-12-11 22:38 م

الطبقة الوسطى .. بين المطرقة والسندان

11:51 ص

صفوت سامي حميدات - مما لاشك فيه أن الطبقة المتوسطة في أي مجتمع تعتبر صمام أمان وعامل استقرار وكلما اتسعت قاعدة هذه الطبقة دل ذلك على عافية المجتمع وصحة حراكه. وهذا بالطبع يعزى إلى ديناميكية الحراك الاجتماعي الصاعد والنازل في تلك الطبقة التي تمثل حلقة الوصل الاجتماعي بين طبقتي الأغنياء والفقراء. ولذلك فهي تمثل العمود الفقري لأي مجتمع متقدم حضارياً وقتصادياً وذلك لأنها هي محور الحياة الاقتصادية والثقافية وأفرادها يكسبون رزقهم من مهن تعتمد بصورة رئيسية على انتاجهم الفكري أو المهني أو العلمي.


قبل كل شيء إن إلقاء المهمة الوطنية ( بناءالأوطان ) على عاتق طبقة أو فئة بعينها هو مخالفة لمنطق التاريخ , وللعقلانية والواقع , لأن الأوطان تبنى بجهد جميع أبنائها .‏ ولا نجانب الصواب إذا قلنا إن الطبقة الوسطى أو النهج الوسط , هو الذي حمل ويحمل على عاتقه القيام بالمهمات الأكثر خصوبة ورسوخاً وفاعلية .

الطبقة الوسطى مرتكز رئيسي في الحراك المجتمعي لارتفاعها عن حال العوز، جلاد الطبقات الفقيرة، ما يمنحها الاستقلالية وثبات المواقف، والشراكة في مسؤولية بناء الدولة ومحاسبة الحكومات. في بلداننا هناك مشكلة لا تخطئها الأعين تتمثل في عدم تكافؤ الفرص. هناك ضرورة «ملحة» في ظل الغلاء العالمي الفاحش وتزايد الحاجات، إلى وجوب الحفاظ على الطبقة المتوسطة، التي بدأت الدراسات أخيراً تشير إلى تآكلها نتيجة وقوعها بين مطرقة فساد الحكومات المتعاقبة وسندان الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسكن والدواء وتدني الرواتب.

عندما تنحدر الطبقة الوسطى أو تبدأ في التآكل، فإن المجتمع بكامله يواجه خطراً مستقبلياً، قد لا تتبين أثاره إلا بعد حين. فالفقر بذاته ليس مشكلة، والفقراء بذاتهم ليسوا مشكلة، عندما يكون مثل هذا الوضع هو الحالة التي وجد المجتمع عليها من الأساس، وما أكثر الدول التي يسكنها الفقر ويُنجب فيها الفقراء المزيد من الفقراء، ولكنها لا تعاني من مشاكل تتعلق بالاستقرار الاجتماعي أو السياسي. المشكلة تكمن في تغير الأوضاع، بمعنى أن يوجد مجتمع مزدهر في لحظة من الزمن، تشكل الطبقة الوسطى فيه، على اختلاف درجاتها، الشريحة الأكبر، ثم فجأة تنقلب الأوضاع، وينحدر معظم أفراد هذه الطبقة إلى المرتبة الدنيا في المجتمع، وهنا يمكن أن نقول إن المجتمع قد أصبح أكثر عرضة للتشوهات الاجتماعية وما تفرزه هذه من هزات سياسية محتملة، فالذي كان فقيراً من الأساس لا يشكل لديه الفقر أي مشكلة، وذلك مثل الذي ولد أعمى، لا يشكل لديه فقدان البصر أي مشكلة إذ أنه لا يعتبر نفسه فاقداً شيئاً، ولكن المشكلة هي عندما ينتقل هذا الفقير إلى مرتبة أعلى في الهرم الاجتماعي، ثم ينحدر ثانية إلى قاع المجتمع. والأدهى والأمر أيضاً عندما ينحدر أحد أفراد الطبقة الوسطى، أي الذي وجد نف
سه ضمن هذه الطبقة من الأساس، إلى المرتبة الدنيا، عندها يحق القول إن هنالك خللا حقيقيا في المجتمع يجب أن يُعدل، وذلك إذا كان الاستقرار طويل المدى هو الغاية. فالتحول من حالة الازدهار إلى حالة الفاقة أو ما هو قريب منها، وانحدار الأفراد من مرتبة اجتماعية معينة إلى مرتبة أدنى، ينشر الشعور بالغبن والحقد والاستغفال والتوتر والتيه، وكلها مشاعر تتحول إلى مزيج قنبلة اجتماعية موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

إن استمرار تآكل هذه الطبقة سيجعل شعب أي بلد يغامر ويقامر بحياته من أجل العيش ولو ارتكب أنواع الجرائم في سبيل الكسب وتجاوز الفقر والعوز.

الطبقة البورجوازية في الغالب مشغولة بجمع ثرواتها وزيادة أرباحها و «سمسرة» الاقتصاد لمصلحتها على حساب جيوب غيرها. أما الطبقة الدنيا والمتردية اقتصادياً، فتكاد تنحصر همومها اليومية في تأمين لقمة عيشها لاستمرار حياتها، مما يبعدها عن التفكير بهموم الوطن الوسطى والكبيرة.‏توازن كفتي ميزان المجتمعات لا يمكن له التوقف عن التأرجح في ظل تآكل الطبقة الوسطى وانجرافها نحو العدم، إذ سيصبح هناك «عالم مستبد» خاص بالأثرياء و «عالم تعيس» خاص بالفقراء، والمؤشرات توضح أن الطبقة الوسطى في الوقت الراهن «شبه مهددة» وتعاني صعوبات جمة، مع بروز ما يسمى «أغنياء الأغنياء»، وجشع التجار وفحش الغلاء.

أن لكل بنية اجتماعية , كبيرة أو صغيرة , وسطها ويمينها ويسارها , وانه مع أهمية دور اليمين واليسار في الحركة والتطور وتسديد الخطى , إلا أن الأهم , والدور الفاعل هو لقوى الوسط .‏

لكن البحث عن دور الطبقة الوسطى لا يمكن أن يكون فاعلاً دون البحث عما حل بموقعها , وهل لا تزال فاعلة في الحياة العامة ؟

لم تعد هذه الطبقة كما كانت , بعضها التحق بالطبقة البرجوازية ذات الهم المبتعد عن قضايا الوطن لانشغالها الشديد بثرواتها واستثماراتها , وأكثريتها همشت وجوعت وأنهكت الى حد الفقر والعوز , والتحقت بالطبقة الفقيرة , حتى لو بقي بعضها مسلحاً بفكر وثقافة مهمشين . وما تبقى منها خائر القوى لا يقوى على الحراك ولا يشكل رافعة وطنية . ويبدو أن مصيرها في كثير من بلدان العالم مشابه لمصيرها في بلادنا , بفعل تأثير العولمة.‏

وهنا يأتي السؤال : أين باتت الطبقة الوسطى في بلداننا ؟ ولمصلحة من تم تحطيمها ؟‏

وهل بقيت قادرة على القيام بالوجبات الملقاه على عاتقها بعدما أنهك ما تبقى منها ؟


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة