الأربعاء 2024-12-11 14:27 م

العلم قوة.. ولكن

11:13 ص
العلم قوة جبارة لها أثرها على حياة الفرد والمجتمع، فمن فوائد العلم إزاحة المعتقدات الفاسدة والخاطئة، وتحقيق الرفاهية للإنسان، لكنْ بالعلم تمكّن الإنسان من إبادة أخيه الإنسان.

ينبغي أن نعترف أنه من خلال العلم تطوّر الإنسان من الناحية الفكرية والاقتصادية والسياسية، فلم يعدْ هذا الإنسان من الناحية الفكرية أو الاقتصادية أو السياسية  يشبه مَن سبقه مِن البشر، فصار له نظرته الخاصة التي تميّزه.
ربما هذه التغيرات التي أحدثها العلم انتقلت بالإنسان من أسير للخرافات والأساطير إلى مبدع في الحياة  الفكرية والفلسفية، ومن كادح إلى مرفّه، ومن شخص يعمل بالسّخرة إلى منتج مساهم في الحياة الاقتصادية، ومن منقاد إلى صانع قرار ومشارك في الحياة السياسية.
يعيش الإنسان المعاصر في وسط استطاع فيه بقوة العلم أن يتحكم بالكائنات مِن حوله، وأن يسخّرها لإرادته، فهو من خلال العلم حصل على ثروة حيوانية ونباتية مميّزة تحمل أفضل الصفات التي كان يحلم بها الإنسان في عصور خلت. ومن خلال تطور وسائل النقل في البر والجو والبحر، ووسائل الاتصالات الحديثة، والتقنيات المدهشة، والصناعات العظيمة ظنّ الإنسان أنه صار من خلال العلم إلهًا لهذا الكون يحرّكه كيف يشاء، وتوهّم هذا الإنسان الفقير أنه على كلّ شيء قدير. وهنا الفرق الدقيق بين العالم المؤمن بالله وغير المؤمن به. حيث يعلم العالِم المؤمن أنّ كل ما سبق إنما هو أسباب ومسببات خلقها الله تعالى وأوجدها وربط بعضها ببعض، وأنه يخلق المسبّبات عند وجود أسبابها، وما قام به الإنسان لا يزيد –على عظمته- على كونه اكتشافا لقانون أوجده الله وبثه بين الناس، وليس إيجادا لهذا القانون. ولا شكّ أن اجتهاد الإنسان في اكتشاف القوانين والسنن الإلهية فعل محمود، وجهد مقدَّر مشكور. وأستطيع أن أقول براحة ضمير: إن اكتشاف هذه القوانين والسنن الإلهية هي الفريضة الغائبة التي فرّط ويفرّط بها المسلمون، وإلا ما معنى الآيات القرآنية الكثيرة التي تحض على النظر والفكر؟ إنها أمر بالتماس العلاقات بين الأشياء لتحقيق مزيد من المعرفة والتطور.
والعلم سلاح ذو حدّين، فالإنسان الذي لا يخضع نفسَه لأحكام الله تعالى وقوانينه وشرعه، فلا مانع عنده أن يسخّر قوة العلم الرهيبة والمذهلة في تدمير البشرية، والقضاء على أي حضارة أو مدنية. وإن الحروب الأخيرة التي خاضها الإنسان بآلاته المدمرة خير شاهد على هذا، فكما أن الإنسان من خلال العلم قد صنع الرفاهية لنفسه، فهو أيضًا من صنع آلات القتل والشّرّ والتدمير، واستعملها في حروبه.
ما أكثرَ البلدان التي تدّعي الحرية والديموقراطية ومراعاة حقوق الإنسان! وإذا تأملت في سلوك هذه الدول المتقدمة المتحضرة وجدتَ أنها كما قدّمت الرفاهية للشعوب أزهقت ببطشها وجبروتها ملايين الأرواح.
والحاصل أنّ العلم بطبيعته قوة حيادية، ولكن كيفية تسخيرها والاستفادة منها تعتمد على فكر الإنسان وسلوكه وأخلاقه. وهنا تظهر أهمية الإيمان بالله التي تحدّ مِن تكبّر الإنسان وتجبّره، وتذكّره بعجزه أمام قدرة خالقه، وبضعفه أمام قوة رازقه، وبجهله أمام علم موجِده. والإيمان بالله يذكّر الإنسان بيوم سيقف فيه بين يدي ربه ليحاسبه عما اقترفت يداه، وهذه الحقيقة إن تسلّطت على العقل والضمير، عمِلتْ على التخفيف من شرور هذا الإنسان. فالعلم بالله تعالى، بوجوده، وبأسمائه وصفاته، لا يقلّ عن علوم الحياة التي برع بها الإنسان وأبدع.
من هنا تأتي أهمية التربية الدينية للأفراد، حيث تعمل على الحد من جبروت الإنسان تجاه غيره من المخلوقات، ليتمكن من العيش بسلام.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة