السبت 2024-12-14 22:40 م

«الورقـة الجديـدة»: والاستجابة المطلوبة !

08:38 ص

مضى على بدايات إقامة الدولة الأردنية، أولاً الإمارة ثم المملكة ، نحو قرن بأكمله وهذا يعني أنه هناك ضرورة لإستمرار التصحيح والتجديد بما يتلاءم مع المستجدات ومع حركة التاريخ وعلى نحو يستجيب لمتطلبات الأجيال الصاعدة أمّا أنْ يبقى الحديث من قبل الذين يمدون أيديهم من فوق الرؤوس متواصلاً عن: «بناء الدولة الأردنية» فإن هذا كـ «التغميس خارج الصحن» وإن هذا قد يصبح بمثابة هروبٍ من الإستحقاقات المترتبة على عوامل الزمن وعلى واجب الإنتقال بالمجتمع الأردني من مرحلة سابقة أصبحت من الماضي إلى المرحلة التي هي مرحلة الأبناء وربما مرحلة الأحفاد أيضاً .



لا يجوز التعاطي مع المستجدات المترتبة على أنَّ الأجيال الصاعدة لها متطلبات غير متطلبات الآباء والأجداد لتبرير القفز من فوق ما هو قائم والبدء مجدداً من الصفر فالجديد في هذا المجال وفي مثل هذه الحالات وكما جاء في الورقة الجديدة لجلالة الملك يجب أن يستند على ما هو أفضل وما لا يزال صالحاً لأنَّ أي شعب وأي مجتمع لا يمكن أن يكون له جديد بدون قديمه فحركة التاريخ بالإمكان تشبيهها بالنهر الذي يظن الناظر إليه بأنه ثابت لا يتحرك مع أنه دائم الحركة ومع أنه متغير بإستمرار ومع أن هناك نهراً جديداً في كل لحظة.

وهكذا فإن جلالة الملك في هذه «الورقة» الجديدة التي أصبحت في أيدي الأردنيين كلهم وليس فقط الذين يعتبرون أنفسهم «نخباً» سياسية قد أراد التجديد وليس الإلغاء وقد عالج مسائل رأى أنَّ حركة التاريخ إقتضت إعادة النظر فيها وإضافة ما يجعلها أكثر مواكبة لهذه الحركة وأكثر إستجابة لمتطلبات الأجيال الصاعدة وأكثر تلاؤماً مع المستجدات الكونية على صعيد الدول وعلى صعيد المجتمعات وبالنسبة للأفراد أيضاً وهذا يجب ألاّ يُعطى صفة القفز من فوق القدم بل صفة الإضافة والتطوير وذلك لأن «القفز» يعني تجاوز بعض ما يزال ضرورياً في حين أن الإضافة والتطوير يعنيان البناء على ما هو قائم ولكن نحو الأفضل ونحو مواكبة حركة الحياة البشرية التي هي في تجدد دائم وفي كل لحظة .

ولذلك فأغلب الظن بل المؤكد أن جلالة الملك في هذه الورقة الجديدة لم يقصد إطلاقاً، كما إعتقد البعض، القفز من فوق واقع الحال لبناء دولة جديدة غير دولتنا هذه ، المملكة الأردنية الهاشمية ، التي هي ليست دولة دينية بالمعني السياسي ولا بمعنى المعتقد الديني بل دولة مدنية ولعل ما يجب الإشارة إليه وقد جئنا على ذكر هذه المسألة أن دولة المدينة في عهد الرسول العظيم صلوات الله عليه لم تكن وعلى الإطلاق دولة دينية وللمسلمين فقط بل أنه بالإمكان وصفها بأنها كانت دولة مدنية لأنها لم تكن للمسلمين وحدهم بل كانت لهم ولليهود وأيضاً لبعض الموحدين الذين لم يكن الإسلام كله قد دخل قلوبهم بعد.

ثم وأنه خطأ فادح أن يعتقد البعض، بعضنا، أنَّ «العلمانية» تعني الإلحاد وأنها تعني أنه يجب ألا يكون للدين أي مكان في الدولة.. إنها، أي العلمانية، تعني إذا أردنا التبسيط: «أن الدين لله وأن الوطن للجميع» وأن كل المواطنين أمام القوانين سواسية بلا أي تمييز وأن المواطن.. مواطن لا فرق بين هذا وذاك لا على أساس الدين ولا على أساس المعتقد المذهبي بل على أساس الكفاءة والإخلاص للوطن وإحترام كل ما عليه إجماع، بالنسبة للأردن، من غالبية الأردنيين وهذا إنْ ليس كلهم!!.

إن هذه مسائل يجب أن نتحاور فيها بالعمق وأن نتوقف عندها مطولاً وطويلاً وهنا فإن الشكوى من ضمور هيبة الدولة وتراجعها ليست لها أي علاقة بهذا الأمر وعلى الإطلاق بل أن السبب الأساسي هو أن هناك إحساساً لدى الكثيرين وبخاصة من الشباب بأن «الدولة» ليست لكل أبنائها وأن هناك أردنيين يعاملون كأبناء «غالية» وهناك من يعاملون كأبناء «جارية» .. وحقيقة أن هذا وسواءً أكان صحيحاٌ أم غير صحيح يولد لدى بعض أبنائنا حوافز الإنتقام وحوافز تحدي الدولة بالتطاول على رموزها..وهذا أمر يجب أن نتعاطى ونتعامل معه بكل جدية وكل مسؤولية وإلا فإننا سنجد في لحظة طارئة ومباغتة أننا أمام كل هذا الذي يحدث في العديد من دول هذه المنطقة .

إنه علينا أنْ ندرك أن جلالة سيدنا بطرح هذه الأوراق الهامة الجادة لم يرد أن ننهمك في نقاش «بيزنطي» بلا أي نتيجة وبلا أي نهاية إنه أراد أن يدفعنا إلى عصف ذهني عمليٍّ لا خيالي ونظري.. وإنه أراد إخراج الدولة الأردنية كلها بكل مؤسساتها من حالة الجمود، التي تتعرض لها كل الدول في فترات ولحظات معينة، وأخذها خطوة بعد خطوة وليس بقفزة إنتحارية غير محسوبة العواقب إلى الواقع الذي أصبحت فيه أجيالنا الصاعدة وكل هذا بدون أن يظن أي واحد منا بأن المقصود هو هدم هذه الدولة لا سمح الله وبناء دولة جديدة!!.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة