السبت 2024-12-14 12:19 م

انظار الناس تتجه نحو تغيير الصورة

07:39 ص

اذا تجاوزنا لحظة الشعور بالصدمة مما يحدث في بلادنا، واردنا ان نفهم ما جرى وان نسأل عمن يقف وراءه وعن مصلحته، فاخشى ما اخشاه ان نفاجأ باننا جميعا لا نعرف شيئا، وبان ما نراه اشبه ما يكون بمسلسل طويل يتقافز الممثلون منه على الشاشة فيما يقف من انتجه ومن اخرجه وراء الكواليس وكأنهم اشباح لا نعرف منهم احدا.



مشكلة بالطبع ان لا نفهم ماذا يحدث؛ لكن المشكلة الكبرى ان نبدو وكأننا فقدنا السيطرة وجلسنا نتفرج على المشهد ونتعامل معه بمنطق الاطفائي الذي ينتظر الحرائق ليطفئها بدل ان يستبق ذلك بمقررات واجراءات تمنع الحريق من الاصل.


هل اخطأنا حقا في تشخيص المشكلة فجاءت المعالجات بالتالي عكس ما نريده؟ ربما يكون هذا صحيحا، لكن ما نراه في المشهد يؤكد اننا امام حالة غير مسبوقة افتقدنا فيها بوصلتنا واسأنا فيها لانفسنا، واستمرأنا مع ذلك منطق التهوين من المشكلة وتكرار ما لا يلزم من ادوات لتطويقها.. وحينئذ وقعنا في المحظور الذي كنا اول من دعا الاخرين لعدم الوقوع فيه.


ما علينا، دعونا نفكر الان بالاهم ، اقصد ماذا نفعل لمواجهة ما يحدث.
اعتقد ان انظار الناس تتجه نحو تغيير الصورة، لكن الأهم من ذلك هو انتظارهم لمبادرة جادة تنهي حالة القطيعة والجفاء بين مكونات الوطن الواحد، وتبني مرحلة جديدة من الثقة بينهم، وتؤسس لتفاهمات صحيحة تحسم الجدل الدائر بين مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.


اعرف انه لا يوجد مجتمع خال من المشكلات، او بشر لا يعانون من التوترات، او دول لا تواجه ازمات: سواء كانت سياسية او اجتماعية او اقتصادية، لكن - في المقابل - ثمة حاجة دائما لإبداع ما يلزم من حلول ومعالجات وقبل ذلك امتلاك الشجاعة للاعتراف بما يحدث وتشخيصة، وهذه ليست مسؤولية فرد او جهة واحدة، وانما مسؤولية المجتمع كله، وآلية التفاهم عليه مرتكزها الاساس هو الحوار، فبالحوار يمكن للاختلاف ان يضمحل او يتلاشى، وللمختلفين ان يتحولوا الى شركاء، كما يمكن للانسدادات ان تنفتح امام الكثير من الخيارات، وللمناخات الشاحبة ان تخضّر وتشرق عن آمال وآفاق جديدة.


لا شك بان لنا تجربة قريبة، شهدنا فيها انواعا غريبة من السجالات التي انحدر فيها مستوى الخطاب وغابت فيها تقاليد الحوار وقد احتشدنا - وقتها - لادانة هذا الاسفاف اللفظي، وهي مرحلة انتهت(هل انتهت حقا؟)، وكان يفترض ان نتعلم منها، اول ما نتعلم، العودة الى طاولة الحوار والتفاهم، والبحث عما امكن من مشتركات، وتشخيص ما يهمنا من مشكلات والعمل - ما امكن - لاشاعة مناخات هادئة، تنقل رسائل الحوار وثقافته وآدابه من النخب الى الناس، ومن داخل جدران غرف اللقاءات الى افهام ووجدان المواطن، حيثما كان، بحيث يصبح اوكسجين غرفة الحوار النقي هو المتاح الوحيد للتنفس، والخيار الاسمى للتخاطب، والطاقة المتجددة والبديلة ايضا، لشحن ارادتنا او توجيه مواقفنا او تعبئة فراغنا وقت الغضب والانفعال.


الان، ما الذي يمنع الحكماء في بلدنا من الجلوس على طاولة الحوار لطرح اي مبادرة تساعدنا في الخروج من حالة الاستعصاء والاستقواء والعناد المتبادل، وما الذي يمنع مجتمعنا من التوافق على خطة للخروج من الأزمات التي تطاردنا، ولماذا آثر البعض الهروب او الاختفاء او الانشغال فيما الناس ينتطرونهم لمعرفة ما يجري وفهم ما يمكن أن يحدث، أو لتبديد حالة اليأس التي اصابتهم، او لتحديد تجاه البوصلة نحو المصلحة الوطنية التي لا يختلف عليها إلا الذين اخذتهم حساباتهم الى مناطق أخرى لا علاقة لها بالبلد ولا بأهله.


صحيح ان الاجابة على سؤال: لماذا لم نبدأ المراجعات بعد؛ يحتاج الى قراءات عميقة وتشريحية لمجمل خياراتنا واجتهاداتنا السياسية في المرحلة الماضية، لكنني اعتقد ان اللحظة الراهنة - بكل ما تحمله من تحديات واعتبارات - أصبحت مناسبة جدا لطرح ما يلزم من اجابات على ما حدث.. وما يفترض ان يحدث في المرحلة المقبلة.


لا يجرح بلدنا ابدا ولا يقلل من قيمة انجازنا ان نعترف بأننا اخطأنا، وبأن تجربتنا قد تعرضت لاصابات هنا أو “رضوض” هناك، وان إعادتها الى سكة “السلامة” خيار وقرار، لا مجرد اجراءات فقط، واذا كان ثمة وصفات قد ثبت فشلها، فان ثمة وصفات اخرى يمكن أن تجرّب وان تنجح متى أشرف على تنفيذها من نثق بكفاءتهم وخبرتهم، فالاوطان - في العادة - لا تتوقف عند برنامج أو شخص أو جهة، وانما تحتاج الى مشاركة الجميع، والى الثقة بالجميع، والى البحث عن البدائل الافضل للخروج من مشكلاتها والتباساتها واعادة العافية الى أوصالها المختلفة.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة