السبت 2024-12-14 00:47 ص

باسل منذر .. الشعر الى اين مع التقفية السجعية؟

01:23 م

الوكيل - قراءة مجموعة ‘الزهر إن يثرد’ للشاعر اللبناني باسل منذر تستدعي التوقف عندها لا لأهميتها الفنية وقيمتها الادبية بل لانها تقدم مثلا واضحا عن كتابات تنتشر في العربية وتفرض إلقاء سؤال مهم هو: الى اين يتجه الشعر .. او بعض الشعر؟

وما يثير القلق والتساؤل ان الجواب عن هذا السؤال هو ان بعض الشعر اي قدرا لا بأس به من كتابة عدد من جيل الشباب يتجه الى تقفية سجعية نثرية يطلق عليها البعض اسم الشعر وتصدر عن دور نشر رئيسية معروفة.
ويبدو من دراسة قسم من هذه الكتابات ان مؤلفيها لم تتوفر لهم خبرة كافية في تطور مسألة الشعر منذ بداية القرن العشرين المنصرم ولذا فقد عادوا الى اول الطريق اي مثلا الى تجربة امين الريحاني في مجموعة ‘هتاف الاودية’.
لكن هناك فرقا كبيرا بين الحالين. فأمين الريحاني كان قد هضم كثيرا من التراثين العربي والعالمي ورأى انه لا بد من حالة تجديدية في الشعر العربي فكتب ما كتب في مجموعته.
الا ان مشكلة الريحاني على عظيم شأنه انه عوضا عن الوزن والقافية التقليديين جاء في مجال تجديده بما هو في عداد النثر بل ما هو نثر مقفى اي انه سقط في بؤرة السجع. ويشفع بكتابة الريحاني امتلاؤها بالفكري.
وضع بعض شعراء ايامنا هذه هو انهم عادوا بمعرفة منهم او دون معرفة الى بداية تجربة التجديد الشعري فلم يجددوا بل سقطوا في القديم وقدموا لنا نثرا مقفى.
باسل منذر مثلا ينطلق احيانا في سطر او سطرين انطلاقة شعرية واعدة لكنه لا يلبث ان يخنقها بتقفية ثقيلة تقضي على ما بدا وعدا.
جاءت مجموعة منذر في 164 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
تظهر قدرة الشاعر البلاغية عندما يكتب نثرا خالصا لا يمكن ان يسمى شعرا. يهدي الكتاب الى والده الاديب فيقول بكلمات بعضها لم يسمع منذ ايام المعلم بطرس البستاني مثل الخنذيذ ‘الى ابي وأستاذي الذي علمني اللغة فصرت خنذيذا’ اي شاعرا مجدا كبيرا وعلما من الاعلام.
ويجيد الكتابة النثرية البلاغية حيث يقول مخاطبا والده ‘ابي افقي اذا طمحت وملهمي اذا فرحت وعلمي اذا انتصرت وتاجي اذا ملكت وحكمتي اذا زهدت ووردتي اذا احببت وخطي اذا كتبت وخطوي اذا اهتديت واستقمت.’
الا ان مشكلة الشاعر تتمثل في انه ينقل النثرية الى الشعر فيأتي بما ليس شعرا وليس نثرا فنيا ولو بقي في مجال النثر البلاغي لكان افضل.
في قصيدة (الثلاثون) نقرأ قوله ‘ثلاثون عاما على شهقتي الاولى/ لم تكن صراخا عابرا بل قصيدة اولى/ ثلاثون عاما انسج بالانفاس/ جسدا او بيتا يتسع لمعناي/ وما يخفى مني عني.’ الى هنا وفي القصيدة اجواء قصائد النثر وبقدر من الايحائية ووعد بأكثر. الا انه يضربها بالنثر.
يقول بعد ذلك ‘منذ عشرين عاما كنت في العاشرة/ ولم اكن يومها طفلا بل تعابير حائرة/ وكانت براعتي لعبة نافرة/ واقصى شهوتي غيمة شاعرة.’
وفي قصيدة (استثناء) امثلة واضحة عن هذه التقفية النثرية التي تقضي احيانا على كل ومضة شعرية واعدة.
قال في كثير من الكلام العادي والتقريرية النثرية الباردة ‘قالت ذات مساء/ وفي صوتها مكر النساء أشاعر انت كما الشعراء؟/ اجبتها ما الشعر غير تعبير وأصداء/ ما النغم غير تأثر بعد اصغاء/ كيف يسأل الغيمم عن لون الشتاء؟/ كيف تسأل عن حسنها الحسناء/ ان كانت انوثتها/ محض غواية او رواء
‘وأجبتها/ اني اكتب ما تملي السماء/ جاء شعرا جاء نثرا عندي سواء/ ما دام يصعد من حشا الاحشاء/ ويبرق في الاعين دمعا وضياء/ اني ما يبهرك ووجهي ابلغ الاسماء/ انفعالي ينحتني/ كالصخر تحفره قطرة ماء.’
ويصل الى نقطة شعرية موحية في السطرين التاليين اذا يقول ‘متى اغيب في شرودي/ اضيع في الاشياء’. الا انه لا يلبث ان يقتلها بالنثرية المقفاة فيقول ‘وليس يرجعني/ صراخ او عذب نداء/ قالت ذات مساء/ وفي صوتها مكر النساء/ فأجيتها اني اكتب/ وحروفي كلها استثناء.’
ونتيجة تكاثر هذا النمط من الكتابة السجعية المسماة شعرا يشعر القارىء ذو الحس النقدي بانه لا بد من طرح سؤال هو: ‘الشعر او بعض الشعر الى اين؟’
وقد يصل القارىء الى قناعة ان هؤلاء الشعراء قد يكونون قادرين على كتابة نثر فني جيد اذا سهروا عليه وخلصوه من الكلام الزائد الذي لا قيمة له. لماذا لا يفعلون؟ فالنثر الفني ذو قيمة ادبية معترف بها.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة