الجمعة 2024-12-13 14:49 م

تبريرعقلية الحقد

10:10 ص

علق البعض على أسباب العنف الجامعي بأن سببه قانون الصوت الواحد الذي فتت البلد حسب رأيهم ، ومع إتفاقنا بأن هناك صيغة أفضل مما هي عليه يؤسفنا أن نعلق أسباب فشلنا دائما على مشجب الديمقراطية ، وننسى أن الشخصية الوطنية «تميعت « حتى لم يعد لها لون ولا طعم ، والشخصية لم تعد لها شخصية.

لقد أصابنا الحزن والإحباط رغم تحذيرنا المزمن مما آلت إليه أحوال المجتمع الذي يشكل الشباب فيه أغلبية تتحرك دون هدف محدد ، ودون رأي ناتج عن قناعة ودراية ، وبعد كل هذه السنين والأفواج المسلحة بالعلم والثقافة ، يتحول هذا الرصيد البشري المثقف وتيار البناء وحماية الوطن من أي خطر الى تيار للنزعة الإقصائية وإنكار حق الغير وإحتقار الآخر ، و»محاريث شرّ « ودعاة حرب اجتماعية ، في أبشع تمثيل لعودة الإنسان الى عقلية الحقد على الإنجازات الوطنية وعلى رأسها التعليم والجامعات ، دون فهم حقيقي للأسباب سوى أنها مظاهر تخلف فكري ، يحاول فيه الصغار أن يتضخموا فجأة ليصبحوا نجوما وعمالقة في يوم وليلة .
نحن جيل الثمانينات ونعتبر أنفسنا أخبر في تفاصيل عديدة من أحداث وإرهاصات منتصف ذلك العقد وما بعده ، وأقل ما يوصف به ذلك الزمن أنه زمن كان الرجال به رجال في الشارع أو في البيت ، ورجالات الدولة قامات باسقات ، وشيوخ العشائر فياصل حق ، ورجال القضاء عدول لا تميل موازينهم ، وجيل الشباب جيل واع مدرك عاقل مقبل على مستقبله بثبات ، والأردن بأركانه وأربع جهاته مليء بالزعامات والشخصيات والقيادات ، وكانت التربية تربية صالحة فيخرج الشاب من بيت أبيه وأمه رجلا لا نصفا من هذا ونصفا من تلك ، ومع هذا لم تكن هناك حياة برلمانية ولا ديمقراطية اليوم ، وكان الرجال لا ينتظرون حصانة نيابية ليعبروا عن آرائهم ، بل كان يفعلون ثم يتكلمون .
اليوم وبعد عشرين عاما ونيف من الديمقراطية التي لم ترب ِ لها جيلا ، نرى أن كل ما بناه الآباء البناة آخذ في الإنهيار ، وأصبح الوطن ميدانا ينتظر ساعة المعركة لأتفه الأسباب ، والجامعات تحولت الى تجمعات متفاوتة في وعيها ، والحرية الزائفة أصبحت في أيدي الأغبياء والأدعياء وأنصاف الوطنيين وتجار القضايا سلاحا فتاكا لهز أركان الوطن وزرع الألغام في حواضر وخواصر الأردن ، والجميع اصبحوا يرون انهم الأساتذة ، فأين الطلبة ، وأنهم الأطباء فأين المرضى ، وأنهم الحماة ، فأين الضعفاء ، وانهم الرعاة فاين الرعية ، وغالبية هؤلاء يريدون ان يكونوا هم رؤساء فأين المرؤوسين ؟
نحن من الشهود على ديمقراطيتنا التي أطاحت عام 1989 بزعامات وطنية تزويرا ، لتخرج أشباه الرجال ، وترفع الوضيع فوق الرفيع ، فمن الطبيعي بعد هذا العمر ان نرى الذئب يقود جمع المشاغبين ، وأن نرى صاحب أسبقيات يتكلم باسم العامة ، وللعلم فكل قضايا الفساد ونهب المال العام وبيع الممتلكات والثروات جرت في ظل الديمقراطية التي نتحدث عنها، فالديمقراطية والحياة النيابية لم تربنا للأسف ولم تهذب حياتنا السياسية .
اليوم يجب أن تعود الأمور الى نصابها قبل أن يخرج المارد من القمقم، وان لا نتذرع بالحالة السياسية لتبرير العنف الذي ضرب آخر حصون الوطنية الاردنية ، فالمشكلة باختصار هي أن الرجال تحولوا الى حاضنات لتربية الأطفال ،والبكاء معهم ، وشراء «حفاظاتهم «، يطيعون نساءهم في مخاصمة أشقائهم ، ومقارفة الغش كي ينجح الأبناء في المدارس تزويرا ، ويبيعون ضمائرهم في أول فرصة شيطانية ليشتروا لأبنائهم ما يشتهون ، فكيف بالله سيخرج علينا جيل يشبه الرجال المسيسين بالعلم والمعرفة ، إذا لم يقم الآباء بقمع الوحوش الرابضة داخل أجساد أبنائهم ؟


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة