السبت 2024-12-14 23:30 م

تنزيلات على المخالفات؟!

07:13 م




مثل شعور الحاصل على جائزة نوبل للسلام، شعرت بالفخر حين حصلت على موقف لسيارتي في أحد شوارع عمان. ولولا العيب، لتقبلت التهاني والتبريكات بهذا 'الموقف' الوحيد، كما تتقبل النساء التبريكات بالمولود الجديد!


أنهيت مشواري، وعدت إلى سيارتي. ولأن 'المتعوس.. متعوس'، لم يكن حصولي على 'الموقف' نتيجة لما كنت أعتقد؛ 'رضا والدين'، بل أن الأمر لا يتعدى حركة رجال السير!

في صباح أحد الأيام، كان أحدهم يستمع لنشرة وفيات العاشرة على الإذاعة. وفي ذلك اليوم تحديدا، كان عدد المتوفين على غير العادة؛ فطلب الرجل، بعد أن ملّ من سماع الوفيات لفترة طويلة من الوقت، أن يتم إغلاق جهاز الراديو خوفا من أن يصله الدور!

وأنا كان مشواري للحظات، وحين عدت وجدت على زجاج السيارة 'بدل المخالفة مخالفتين'؛ بمعنى لو تأخرت قليلا لكان ثمن السيارة لا يكفي لسداد المخالفات! وربما لو أكلت 'ساندويشة'، فكنت سأجد بعض المخالفات مكتوبة على ورق الشجر بعد نفاد دفتر المخالفات!

أي بئر بترول في العالم تستطيع أن تجني 30 دينارا في كل ثانية؟! وأي مصنع للسيارات يربح 30 دينارا كل ثانية؟! حتى بورصة لندن تعجز عن أن تمكّن أسهمها من تحقيق 30 دينارا في كل ثانية! بينما شرطي سير يستطيع في ربع ساعة أن يورد لخزينة الدولة ما يفوق إيراد قناة السويس!

نعم أستحق المخالفة؛ فقد كان علي أن أقف بسيارتي فوق مجمع بنك الإسكان، أو أن أحفظها في ذاكرة الهاتف. كما أن المواقف كثيرة وكبيرة، ونحن من تعودنا على 'البلاش' نعيق الحركة باصطفافنا، مع أن الشارع الذي كنت أقف فيه تمر منه بارجة بحرية من دون حاجة لأن يستعمل القبطان المرآة!

وإذا كان الهدف من المخالفة هو التقيد بقواعد السير وليس الجباية، أفلم تكن تكفيني مخالفة واحدة لأن أتقيد؟! فالمخالفات لتنبيه الناس، وليست حسنة بعشرة أمثالها!

ثم، لماذا لا يكون هناك عروض على المخالفات، مثلما هناك عروض على السمك؟ مثلا، 'أحصل على مخالفة والثانية مجانا إذا كانت مخالفتك حزام أمان'، أو 'تنزيلات هائلة على مخالفات الوقوف في جبل الحسين لمدة محدودة، وحتى نفاد الدفتر'، أو 'تجاوز السرعة الآن على طريق المطار بخمسة دنانير فقط'... طالما أصبحنا ندفع مخالفات أكثر مما ندفع على السكر والرز واللحمة!

في كل دول العالم، تُستخدم أموال المخالفات لتحسين البنى التحتية التي تساهم في الحد من المخالفات، فهل صرفنا فلسا واحدا على إقامة مواقف للسيارات، أم أن تلك الأموال تذهب لتظهر ضمن إنجازات الحكومة في زيادة الإيرادات؟!

ما تزال العقلية تفكر بالدفتر وليس بالتخطيط لحل أزمة السير في عمان؛ فمن فكر بشبكة نقل عام للموظفين، وبالتالي منع عشرات الآلاف من استخدام سياراتهم؟ من فكر بأن تكون مواعيد دوام البنوك والعيادات بعد ساعات من دوام المؤسسات الحكومية، حتى تنساب الحركة في الصباح؟ من فكر بنقل جزء من نشاط القطاعات إلى ساعات المساء، حتى نخفف من الاكتظاظ في الظهيرة؟ من فكر بفرض ضريبة عالية على كل قطعة أرض ليس عليها منشآت وتصلح مواقف سيارات؛ فمن غير المعقول أن تبقى تلك الأراضي من دون استخدام كمواقف في أكثر المناطق ازدحاما!

إن بقي الحل بنظركم هو الدفتر، فلا تستغربوا ظهور البغال والجمال مجددا في شوارع عمان؛ فدفاتركم لا تخفف ازدحاما!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة