الأربعاء 2024-12-11 18:37 م

تنظيف الإدارة

12:31 م

في علم البناء والتحديث و«الطراشة والطوبار» يقوم معلم الدهان عادة بتنظيف الطبقة العليا من أسطح الجدران ويستمر في عملية تنظيف الجدران حتى يظهر الجسم الأصلي للجدار ثم يضع مواد عازلة ضد العفن والرطوبة ويجري عملية تأسيس قبل إعادة دهان الجدران باللون الجديد، هذه العملية التي يعرفها الجميع ويقوم فيها عادة عامل لم يحظ بتعليم عال ولا بفرصة في قيادة إحدى المؤسسات، ومع هذا فالعملية التي ذكرناها لم تخطر على بال أحد من مسؤولي الدولة كي يصلحوا حال الإدارة العامة في الأردن، وتنظيف الخلل الذي تراكم في الصف الثاني والثالث من قيادات الوزارات والمؤسسات الرسمية .

ما جرى عندنا خلال عام هو تغيير واستبدال أربع حكومات بوزرائها، وهذا يجري كل عام ونصف كمعدل معياري لتغيير الحكومات، بينما الأمناء والمدراء العامون يبقون سنوات طويلة في مناصبهم دون أن ينتبه أحد الى أن هؤلاء هم القيادات الفعلية للمؤسسة الرسمية، وعليهم تقع مسؤوليات العمل أوالفشل، وعلى الرغم من نجاح البعض منهم، فإن هناك فئة «تعمل» في حقول لا تحرسها النواطير، وإن بقيت الأمور عليه، سيبقى جدار الدولة يتلقى لوناً وزارياً فوق لون آخر حتى تشكلت طبقات تغلغل الصدأ تحتها .
في ديوان الخدمة المدنية هناك قوائم طلبات توظيف لو مدت على الأرض لفرشت مباني الحكومة كلها وبعضها طلبات مزمنة، وفي الوظيفة هناك عمر افتراضي للعطاء والإنجاز، وإذا لم يتم التغيير في القيادات الوسطى ستبقى عجلة الإصلاح تشكو من سبب مجهول لمرضها الغامض، فضلا عن أن هذا يسبب الإحباط والتقاعس لدى الموظفين الذين ينتظرون مكافأتهم بترفيعات وظيفية قد لا يرونها في حياتهم لأن «عطوفته» في كل مكان، أصبح أخصائياً في استئصال الوجوه الشابة والذكية حفاظا على بقائه، أو أن هناك قوى ضغط لها جداول أسماء خاصة في تعيينات الدرجات العليا .
المشكلة المزمنة أن غالبية الوزراء يرحلون قبل أن يتعرفوا على مرافق وزاراتهم، و المفترض أن تكون هناك استراتيجيات واضحة لعمل الوزارات يأتي الوزراء للبناء عليها والعمل حسب معطياتها، ولكن ما يجري هو العكس، كل وزير يأتي وفي رأسه فكرة، ثم «يطير» قبل أن تطير الفكرة من رأسه، ويبقى جيش من قيادات الصف الثاني والثالث متربعين على مقاعدهم في تضخم غير مبرر في الإدارة المدنية للدولة الأردنية، ناهيك عن غياب الصدق والوفاء في العمل الوظيفي لدى طائفة من موظفي الدولة، حيث ترى أن المواطن حينما يراجع دائرة ما يقابل وكأنه متسول أو ضيف ثقيل الدم .
لقد سئمنا جدا من نظرية « النقد البنّاء «، وكنا ننقد السياسات المتخبطة ورجالها في زمن « الرمد الربيعي «، الذي كان يصيب الكثير من الأزهار التي تفتحت في زمن الربيع العربي ، وللأسف لم نحقق أي تقدم يذكر في تطوير الأفكار والآليات، واليوم على المسؤولين أن لا ينشغلوا في مواجهة حروبهم الخاصة، وعليهم أن يعملوا بجد، لإعادة بناء الدولة من الداخل، فجيل الشباب يسيطر الآن على جلّ المؤسسات والوزارات وله دور كبير في مراحل الإنجاز، قبل أن تغير الحكومات والوزراء عليكم تنظيف الإدارة ممن يعرقلون مسيرة التطور والإرتقاء.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة