الخميس 2024-12-12 02:28 ص

ثقافة إدارة الوقت

08:49 ص

كتب : د. محمد طالب عبيدات

يعيش الشباب وعناصر المجتمع الأخرى في زماننا هذا في عالم سريع التغير وبيئة منفتحة كنتيجة حتمية للانفجار المعرفي وثورة الاتصال بأدواتها المختلفة من حواسيب وانترنت مرورا بالأجهزة الخلوية ووصولا للفضائيات والبث المباشر مكانا وزمانا والمرتبط بالصورة والصوت والتقنية العالية، ممّا يحتم على الشباب ضرورة تنظيم وإدارة وقتهم لاستيعاب المستجدات والتنوع والاختلافات الثقافية وتبويب الأولويات والتعامل معها لغايات تمكينهم وزيادة مخزونهم المعرفي والثقافي ومنحهم الفرصة اللازمة للتعبير عن آرائهم لفهمهم واحترامهم والتعامل معهم بروح منفتحة لأجل بلورة رؤية شبابية عصرية دون الانسلاخ عن هويتهم الثقافية.


ولأن هذه المرحلة العمرية الشبابية يصاحبها الكثير من التغيرات البنيوية والعاطفية والنفسية والاجتماعية والمشكلات ونتيجة لتنوع المشارب والآراء فإن الشباب ربما يعيشون مرحلة مليئة بتشرذم وتعدد الطروحات التي قد تؤدي لعدم التركيز والصدمة أحيانا نتيجة لكثرة الآراء أو المرجعيات والتي أحيانا تؤول بالشاب إلى فراغ أو خواء فكري وأحيانا هروب من واقعه إلى فراغ غير ممنهج في وقت لا يستطيع استيعابه وقضاءه؛ ما يؤدي إلى الروتين والملل القاتلين، ولذلك يكون الشباب الفئة الكثرى حاجة إلى تنظيم وإدارة أوقاتهم سواء أثناء العطل أو إبان الأوقات الأخرى.

ومسألة إدارة الوقت هي إدارة للذات والسلوك والشخصية ونوع من إدارة الفرد نفسه بنفسه لإدارة أعماله التي يقوم بها وتحديد الأولويات في حدود الوقت المتاح والذي طبعا لن يتجاوز أكثر من أربع وعشرين ساعة في اليوم والليلة ويتضمن بين ثناياه وقت العمل والراحة والاستجمام والنوم والاطلاع والتسوق والدراسة والتثقيف والأعمال الروتينية والفعاليات الأخرى وغيرها.


وهذا يعني أن وقت الشباب بحاجة إلى ترويض لنفرض سيطرتنا عليه بدلا من أن يروضنا ويفرض سيطرته علينا، ببساطة لأن الوقت سريع الانقضاء وما مضى منه لا يعود ولن يعوض وهو أنفس ما يملك الإنسان لأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك.


وتندرج أهمية الوقت في فحوى ما قاله ابن القيم رحمه الله أن إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت يقطعك عن الله والدار الآخرة بينما الموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. ولذلك فان مسئولية استغلال الوقت الاستغلال الأمثل تعود على الإنسان وعنصر الشباب على وجه الخصوص بالايجابية لأن فيها تحقيقا لمرضاة الله تعالى وفائدة للإنسانية جمعاء. ومن هنا جاء قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم “ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”.


وفي هذا الزمان أصبحت مضيعة الوقت ثقافة دخيلة علينا لأن مسبباتها تدخل أحيانا في باب الثقافة المجتمعية أو نتيجة للتغيرات المتسارعة في المجتمع والتكنولوجيا.

ولعلني هنا أذكر بعضا مما يسمى بلصوص الوقت والتي تؤدي إلى مضيعته عند الشباب والتي تندرج –ولا تنحصر-في: الاتصالات الهاتفية غير المبررة وغير المنتجة سواء عبر الأجهزة الخلوية أو اتصالات الانترنت وغيرها، والتسكع في الشوارع أو الجلوس في الاجتماعات غير الفعالة، ومشاهدة التلفاز لفترات طويلة جدا أو لبرامج غير مفيدة، وإساءة استخدام الحواسيب وشبكة الانترنت لفترة طويلة جدا، والتسويف أو التأجيل بأعذار واهية، والأهداف غير الواضحة والضبابية في الرؤية وغياب الاستراتيجيات، والمقاطعات والزيارات المفاجئة وغير المبرمجة، وعدم تحديد الأولويات، وعدم التخطيط المبرمج للوقت، وغياب منظومة القيم وضعف المعلومة أو النقص فيها، وانخفاض الروح المعنوية، والإصغاء غير الجيد وغياب مهارات الإصغاء، ومشكلات الشباب العاطفية والتي تؤدي أحيانا بالشباب للهاوية نتيجة لعدم التعاون مع الأهل والاندفاعية، ورفاق السوء وعاداتهم من تدخين وتسكع ومعاكسات وغيرها، والكثير الكثير من المثبطات والمعيقات التي تؤدي بالشباب إلى وقت ضائع وعائم وغير مبرمج نتيجة لغياب الأهداف قصيرة وطويلة الأمد والرؤية والاستراتيجيات على مستوى الفرد والجماعة والمؤسسات التي تعنى بالشباب.


وحتما فان الإدارة الناجحة للوقت تجعلنا نشعر بالتوازن في حياتنا ونتعرف مواطن القصور والضعف وتجعلنا نشعر ونحدد أيا من الأنشطة هي الأهم والتي تشغلنا بصورة أكبر في حياتنا وتجعلنا نشعر إذا كانت بعض الأنشطة مثل: الأنشطة الاجتماعية أو دور العائلة ومن هم قريبون منا هل لهم دور في حياتنا أو أننا ليس لدينا وقت لكي نضعهم ضمن ما يشغلنا .فالتعامل مع الوقت وكيفية إدارته هو مهارة يمكنك تعلمها وتنميتها مع الوقت فهي تجعلك تنظم وقتك بين جميع الأنشطة التي في حياتك فنجعل وقتا لعملك وفقا للأنشطة الاجتماعية ووقتا للعائلة ووقتا للفراغ ووقتا للأنشطة وغيرها.


إن إدارة الوقت بطريقة سهلة صحيحة سوف تجعلك تشعر أنك في الطريق الصحيح والاتجاه الصحيح فهي تجعلك لا تعتمد على المماطلة والتسويف واختلاق الأعذار.


وإدارة الوقت حافز يدفعك لإنجاز هدفك والمهارة في تحقيق الأهداف في مدة زمنية محددة والذكاء في هذه الحالة أن تعمل بطريقة أفضل لا بمشقة أكبر وذلك للتميز بين الشغل والانشغال أو بين الكفاءة والفاعلية. وإدارة الوقت بشكل جيد تجعلنا نحدد مهام واختصاصات العاملين ونحدد ما هو ضروري ونستطيع أن نوجههم باعتبار أن التوجيه ملازم للتخطيط وفي عملية اتخاذ القرار.


وأيضًا نلمس ذلك في الرقابة حيث تمكنا من كشف الأخطاء أو منع حدوثها قبل وقوعها في الوقت المناسب وأيضًا تظهر أهميته في شكل الرقابة سواء أكانت داخلية أم خارجية. ويعتقد البعض أنه عند الحديث عن تنظيم الوقت وإدارته والبحث فيه وعن إدارته بفاعلية أن تجعل الحياة كلها للعمل ولا وقت للراحة.


ومن هنا تتضح أهمية إدارتنا لوقتنا بفاعلية ورؤيتنا المستبقة لإدارته بنجاح فهي الطريقة التي تجعلنا نستفيد من الوقت في تحقيق الأهداف وخلق التوازن في الحياة ما بين الواجبات والرغبات والأهداف. وأيضًا هي التي تحدد الفارق بين الناجح والفاشل إذ إن المعيار بين الفشل والنجاح هو قدرتهم على الموازنة بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم تجاه بضع علاقات معا.


فمسألة إدارة الوقت عند الشباب تشكل أحد المفاصل المهمة في حياتهم؛ ولهذا فانه يجب التركيز عليها في التنشئة الأسرية والمدرسة والجامعة ومكان العمل والمؤسسات الشبابية وغيرها من المؤسسات لتصبح ثقافة بالممارسة اليومية وليكون الشباب من أصحاب التخطيط الاستراتيجي والعمل المنظم والمؤسسي لا الفوضوي أو الفزعوي، لأن مسألة إدارة الوقت تشكل معيارا انتمائيا لديهم تخص الإنتاجية وروح العطاء للوطن والفرد والمجتمع.


وبهذا يكون الشباب فئة منتجة لا عالة، ويتطلعون للأمام بروح تفاؤلية، وتسهم بذلك ثقافة إدارة الوقت لدى الشباب في القضاء على بعض من مشاكلهم وخصوصا في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية، ولتسهم إلى جانب المؤسسات العاملة مع الشباب والداعمة للعمل الشبابي في سبيل رفعة العمل الشبابي المنظم بالفعاليات والمبرمج بقالب الزمان والمكان، العمل الشبابي المؤسسي الذي دعا إليه -مرارا وتكرارا- جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة