الخميس 2024-12-12 00:48 ص

ثم يهدأُ كلُّ شيءٍ على وقع خطى الديكتاتور

02:59 م

الوكيل - مطرٌ سوريٌّ يهطلُ ولا يصل
يهطلُ مندفعاً في الريحِ

مُندهشاً من هبوبِ العواصفِ
يَرشقُنا ونحنُ نتساقطُ قتلى في التظاهرات
مطرٌ في الريحِ
يرشقُ أوراقَ التاريخِ المتطايرةِ حولَ قبورِنا
مطرٌ يهطلُ ولا يصل
يهطلُ ولا يوصلنا
مطرٌ هائمٌ
مطرٌ طائرٌ مع الطيور
……………
……………
بحرٌ سوريٌّ يَشهقُ مطعوناً
فينسحبُ إلى الأعماقِ
تاركاً أقمارَ الليلِ وبقايا أشجارٍ
على سواحلهِ المهجورة ..
وجوهُ الغرقى تسألُنا في الليل
عن أشواكٍ وجروح
عن حفيفِ ثيابٍ وقُبلٍ ملهوفةٍ
بدّدتها أمواجُ البحرِ المتلاطمة في الريح
……………..
……………..
البحرُ السوريُّ يَشهقُ مُنسحباً مطعوناً
ثم يهبُّ كشعبٍ مجنونٍ متدفقاً على مدنٍ
تتدفقُ على مدنٍ أخرى
شعبٌ يتدفقُ بالبهجة والأمطار
نرقصُ في ساحاتِ الفجرِ وغاباتِ الفجر
نرقصُ ترقصُ معنا الأشجار
نرقصُ نتصايحُ نتطاير
نطير مع الطيور
………….
………….

تهدأ الريحُ
يهدأُ البحرُ ويخفُّ المطر
تهدأُ الحشراتُ في أدمغة الجلادين
يهدأُ المخبرونَ والوزراءُ التعساءُ
على وقع خطى حافظ الأسد
وهو يُحملقُ بأولادِهِ قلقاً على مصيرِهم
لكنَّهُ لا يجهشُ بالبكاءِ ولا يتكلم
فقد تعلمَ القسوةَ والرصانةَ الرخيصةَ
كديكتاتورٍ فضٍّ
سجنَ بلاداً واسعةً أربعينَ سنةً متواصلةً
ثم وضعَ مفاتيحَ السجنِ في جيوبِ أولادِهِ
وضعَ لهم على الطاولةِ حلوىً وزهوراً ورائحةَ قبور
حلوىً وزهوراً وخناجرَ ينظفون بها أسنانَهم
*******
رائحةُ دماءٍ تَعِمُّ البلاد
رائحةُ دماءِ قتيلٍ ما زال يرفسُ وسطَ الشارع
*******
لقد تركَ الديكتاتورُ في عيونِ أولادهِ، المفتوحةِ ككهوفٍ موحشةٍ، أشلاءَ سوريا وهي تصرخ مطعونةَ القلب’تركضُ خائفةً من أن يسحبَها البحرُ حين يشهقُ مطعوناً منسحباً إلى الأعماق ..
لكنَّ البحرَ يتدفقُ متصاعداً
ونتدفقُ معَهُ نحنُ السوريينَ المتراكضينَ إلى ساحاتِ الفجرِ الراقص، نرقصُ في ساحاتِ المدنِ المفتونةِ بالنور،ِ بالتينِ والجروح والياسمينِ ورائحةِ الزيتون، نرقصُ ونحنُ نرى الديكتاتورَ يركضُ هارباً تاركاً أولادَهُ أمامَ قطارٍ مجنون، قطارِ القتلِ والسفالةِ وأكلِ لحومِ البشرِ والزقومِ فيتطايرُ معَهُ’الجرادُ والجلادونَ والحشراتُ التي في أدمغةِ الجلادين.
……………
……………
لماذا تتراكضونَ مذعورينَ يا أولاد الكلب ؟!
إلى أين تهربونَ يا ضباط المخابرات ؟!
لمن تركتم الفيلاتَ والشققَ العاليةَ والسياراتَ الفارهة ؟!
لمن تركتم أسهمَكم تتصاعدُ على شاشاتِ البورصةِ العالمية ؟!
من سيرثها ؟!
ومن سيرثُ جثثَ القتلى وذكرياتَهم وبقايا النقود في جيوبهم ؟!
إلا تحنُّ قلوبُكم إلى سرقةِ محابسِهم وأقراطِ زوجاتِهم بعد أن سرقتم جوازاتَ سفرِهم وأسماءَهم وأصواتَ أمهاتِهم وأجراسَ طفولتهم؟
كيف تتركونَ جثثَ القتلى بين الأنقاض وتهربون يا أولاد الكلب ؟!
لماذا قتلتموهم إذن ؟!
لماذا تركتم بلاداً محطمةً تركضُ وتسقطُ .. تَنهضُ وتركضُ وتتعثرُ .. تتلفّتُ بحثاً عن نفسِها فلا تجدُ غيرَ صراخٍ ووحشةٍ في سماوات تهتزُّ وغيومٍ تتحركُ وسفنٍ يرتجُّ بها البحرُ وشعبٌ يسبح وسطَ ملايينِ النجومِ الغارقةِ في هذا البحرِ المرتجِّ حيثُ القتلى وثيابُ القتلى وذكرياتُهم وساعاتُهم اليدويةُ ووجوهُ أمهاتِهم وهوياتُهم الممحوّةُ ..
ملايينُ السباحينَ وسطَ ملايينِ الأقمارِ المتلاطمةِ بحثاً عن أبوابِ دمشقَ حيثُ أمواجٌ من البنادقِ تطلق رصاصاً متدفقاً على الدكتاتور ..
رصاصاً متدفقاً
لا ليقتلوهُ
بل ليجعلُوهُ يركض
ويركض
خائفاً مذعوراً متلفتاً متعثراً إلى الأبد …

لندن 2012
شاعر من العراق يقيم في لندن


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة