السبت 2024-12-14 13:29 م

ثورة ضد الكذب والكراهية

06:55 ص

تتزايد يوما بعد اليوم المؤشرات الدالة على تنامي حنق العالم من حجم الكراهية والأكاذيب والتضليل الذي يدور على صفحات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع بعض الشركات التي تدير الإعلام الاجتماعي إلى إعلان تدابير وإجراءات للحد من نشر الأخبار المضللة وخطابات الكراهية، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها فيسبوك أو التي تنوي اتخاذها قريبا لم تكن مقنعة للكثيرين من الخبراء وأيضا للعديد من الدول مثلما فعل الألمان الذين سارعوا إلى إعلان إجراءات أحادية.



هناك اتجاهان يديران المناقشة العالمية حول مستقبل شبكات الإعلام الاجتماعي في ضوء التحولات والضغوط المتنامية التي تواجهها من قبل الحكومات الديمقراطية ومن قبل كيانات اقتصادية عملاقة منافسة؛ حيث يبدو أن حالة تصاعد التضليل والأخبار الخاطئة وخطابات الكراهية وفّرت فرصة للانقضاض عليها، الاتجاه الأول يذهب أن الحتمية التكنولوجية سوف تنتصر وإن الإعلام الاجتماعي يتغلغل في البنى الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات وإلى المزيد من القوة، والاتجاه الثاني يذهب إلى أن الشركات التي تدير هذه الشبكات ستجد نفسها مضطرة لإجراء انعطافة تاريخية في تصميم هذه الشبكات ووظائفها لأنها في النهاية نماذج اقتصادية لا تزدهر إلا في بيئة مواتية لها.


في الربع الأول من العام الجاري اضطرت الشركات الكبرى المشغّلة للشبكات الاجتماعية إلى توقيع ميثاق أخلاقي مع الاتحاد الاوربي للحد من انتشار خطاب الكراهية على هذه الشبكات، مع تنامي الاستخدام المفرط لهذه الشبكات من قبل الجماعات الإرهابية وما تقود إليها من استقطابات حادة، ومع اشتداد الانتخابات الأميركية ازدادت الإشارات قوة لتأثير الفيسبوك في نشر التقارير المضللة، وبعد فوز ترامب وقبل الانتخابات في تشرين الثاني الماضي، 'اطلع مستخدمو فيسبوك على تقارير إخبارية خاطئة تدعي أن البابا فرنسيس يؤيد ترامب وأخرى تفيد بالعثور على ضابط اتحادي يحقق في مسألة البريد الإلكتروني الخاص بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ميتا'. وتشير تقارير الرصد أن الأخبار الكاذبة تزداد بشكل مطرد على الفيسبوك وتنتقل أحيانا إلى وسائل الإعلام المحترفة بسرعة وبموثوقية وتساهم بقوة في قيادة الرأي العام. بل تشكل هذه الحالة أساس ظاهرة ما بات يسمى 'عصر ما بعد الحقيقة' الذي يشير إلى قوة التضليل والشحن العاطفي في تشكيل الرأي العام بما يفوق الحقائق والوقائع التي تأكدت مع صعود الشعوبية الجديدة في أوروبا وغيرها مؤخرا.


هذه الوقائع زادت من إدراك فيسبوك لخطورة الموقف، ما دفعها إلى إعلان بعض الإجراءات منها تطبيقات جديدة تتيح للمستخدمين الإشارة للأخبار الكاذبة. كما أعلنت مجموعة 'ألفابيت غوغل' الأميركية العملاقة لخدمات الإنترنت اعتزامها منع المواقع الإلكترونية التي تنشر أخبارا كاذبة من استخدام برنامجها الخاص ببيع الإعلانات، بالإضافة إلى سياسة إعلانية جديدة لوقف التعامل مع المواقع التي تنشر الاكاذيب والكراهية.


هذه الخطوات غير كافية كما يبدو في الخطاب السياسي الرسمي الأوروبي وتحديدا الألماني، حيث يخشى الساسة الألمان من تأثير الظواهر الجديدة على الرأي العام الألماني والانتخابات القادمة، حيث يدرس حاليا إصدار تشريع جديد يلزم شركات وسائل الإعلام الاجتماعي بإنشاء مكاتب للرد على الشكاوى من الأشخاص الذين تأثروا برسائل الكراهية في غضون 24 ساعة. إلى جانب التخطيط لفرض عقوبات كبيرة على الشركات الكبرى ( فيسبوك وغوغل ) إذا لم تستجب للإجراءات المطلوبة.


بالتدريج تتحول قوة الإعلام الاجتماعي إلى أدوات في أيدي الإرهابيين ثم في أيدي رموز الاستبداد ثم في أيدي الرجعية الجديدة والقوى اليمينية التي تدعو إلى الانعزال وكراهية الآخرين، وأداة للتلاعب في الرأي العام وخداعه. إنها تتحول تدريجيا إلى أداة لتزييف الديمقراطية. نحن أمام لحظات فارقة في تاريخ تطور الاتصال، والمفارقة الأخرى أن انكشاف الوجه الأسود لهذه الأدوات قد بدأ في منطقتنا العربية عبر الجماعات الدينية المتطرفة، لكن العالم كله يتحصن ويبني الدفاعات ويدير النقاشات حول ما يجب أن يفعل باستثناء هذا الجزء من العالم.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة