الجمعة 2024-12-13 11:08 ص

جريمة القتل !!!

05:12 م

الدكتور عبدالناصر محمد جابر الزيود
الحمد لله ثم الحمد لله،الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ،الحمد الذي عَزَّ جَاهُهُ،وجَلَّ ثناؤُهُ، وتقدَّسَتْ أسماؤُهُ،مَنْ توكَّلَ عليهِ كفَاهُ،ومَنْ لجأَ إليهِ آوَاهُ،ومَنْ سأَلَهُ أعطَاهُ.

يقول تعالى في محكم التنزيل:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى،قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى). إننا نرى اليوم ظاهرة غريبة لم تكن موجودة من قبل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهي ظاهرة الانتحار وقتل الأنفس والتي كانت تنتشر في البلاد الغربية غير الإسلامية.ولكن هذه الظاهرة وللأسف الشديد بدأت بالانتشار في بلادنا العربية ومن ضمنها بلدنا ففي صبيحة كل يوم نطالع خبرا من هذا النحو،شاب حاول الانتحار أو شابا قد قتل نفسه أو رجلا قتل نفسه أو قتل زوجته أو أبنائه أو فتاة قتلت نفسها والأمثلة على ذلك كثيرة جدا والعياذ بالله. فإن معظم حالات الانتحار وقتل الأنفس وقتل الغير والاعتداءات المختلفة تأتي من قبل أناس غير مؤمنين بالله تعالى،مما أدى إلى فقدانهم الأمل وبالتالي أصابهم الاكتئاب والأرق والاضطرابات النفسية،وانتهى بهم المطاف إلى التفكير في الانتحار أو قتل غيرهم. وهنا نتذكر هذه الآية العظيمة التي يقول فيها تبارك وتعالى:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى،قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ،قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى). فالإنسان عندما يبتعد عن الله فإنه يسلّم نفسه للشيطان،والشيطان يخوّف أولياءه ويحزنهم ويقودهم إلى المشاكل النفسية التي لا علاج لها إلا بالعودة إلى الله . أما المؤمن فقد تعهد الله وضمن له الحياة الطيبة الهادئة المطمئنة،يقول تعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).فقد يظن البعض منا أن المال أو النسب أو الجاه أو السلطان هو سبب السعادة وهذا اعتقاد خاطئ،فالسبيل الوحيد لسعادة الإنسان سعادة مطلقة أن يبقى قريباً من خالقه،وهذه هي الحالة الطبيعية لنا امة الإسلام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، سعادتنا ونجاتنا بالتزام شرع ربنا وسنة رسولنا وان تركنا ذلك أذلنا الله وسلط علينا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت،نسأل الله العفو والعافية .
نقلت الأخبار أن رجلا،قد قام مؤخراً بإطلاق النار على عائلته قبل أن يطلق النار على نفسه،فقد أطلق النار على زوجته،وخمسة من أطفاله،ومن ثم قتل نفسه،بعد أن ترك رسالة قال فيها:أنا وزوجتي وجدنا أنه من الأفضل إنهاء حياتنا،وحياة الأطفال،بدلا من تركهم في أيدي الغرباء. فانظروا إلى البعد عن الله ماذا يفعل، فلو كان لدى هذا الرجل وأمثاله ثقة بالخالق عندما يقول:(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا). فهذه الآية كافية لتجعل الإنسان يصبر ويتحمل أقسى الظروف ولا يفقد الأمل من رحمة الله نعم إن الحياة التي نعيشها فيها ساعات سعادة وفيها أيضا ساعات مشقة وتعب لكن المؤمن يصبر ويتحمل ويبقى قلبه معلقا بربه ليفرج عنه ويخفف عنه ويخرجه مما هو فيه من الضيق والكربات. فانظروا إلى سيدنا يعقوب كمثال أخر على عكس هذا المثال السابق فبعد أن فقد ابنه يوسف ثم فقد ابنه الصغير والذي يحبه كثيراً ثم فقد بصره،ثلاثة مصائب حلت به،وعلى الرغم من مضي السنوات لم يفقد الأمل من رحمة الله، بل قال لأبنائه:(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). فقد اعتبر سيدنا يعقوب عليه السلام أن فقدان الأمل من الله هو بمثابة الكفر.(إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). فمثل هذه الآيات كفيلة بأن تثبت المؤمن وتعطيه المزيد من الأمل والتفاؤل بقضاء الله وقدره.
ولذلك يؤكد جميع الخبراء أن أقل نسبة انتحار على الإطلاق هي في الدول الإسلامية،فالحمد لله على نعمة الإسلام.وهذه النعمة نبقى محافظين عليها طالما أننا لم نزل قريبين من ربنا ومن قراننا،وإننا إن ابتعدنا عن ربنا فمن الطبيعي أن يضيق علينا في معيشتنا بالضنك مما يوصل ضعاف الإيمان إلى أن يقتلوا أنفسهم أو أبنائهم . والله تعالى حين وهب الإنسان نعمة الحياة أمره بالمحافظة على هذا الجسد؛إذ هو وديعة عنده،يجب أن يرعاه ويصونه ويحفظه من كل ما يخدشه أو يورده المهالك أو يؤثر فيه،قال تعالى:(وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا). فهذه الآيات فيها نَهي للمؤمنين أن يقتل بعضهم بعضًا،ونهي لكل واحد منهم أن يعتدي على نفسه بالقضاء عليها وإزهاقها؛وإن اعتداء الإنسان على نفسه بقتلها جريمة كبرى،يترتب عليها العقاب الأليم والوعيد الشديد الذي جاءت به النصوص الشرعية التي بينت أنه من المحرمات ومن أعظم الكبائر.وكل من يقدم على شيء من ذلك فإنما هو لضعف إيمانه،وغفلته عن خالقه،وعدم التجائه إليه عند إصابته بشيء يسوؤه. فإن الإقدام على الانتحار وقتل النفس من أعظم الدلائل على انحراف المنتحر وبعده عن تعاليم الإسلام وانغماسه في الضلالة؛إذ لو لم يكن كذلك لما أقدم على هذه الفعلة الشنيعة .لأن قتل النفس لا يحدث إلا من نفس مريضة بعيدة عن فعل الطاعات،غارقة في فعل المعاصي والمنكرات،آيسة مما عند خالقها من الرحمة والخيرات،وإن قلب المنتحر فارغ من الإيمان الذي يحيي القلوب ويوقظها من غفلتها ويعيدها إلى طريق الصواب وجادة الحق للتزود من الأجر والثواب. والإيمان يجعل صاحبه شديد التعلق بخالقه، يلجأ إليه في الشدائد والملمات، فإذا ما أحسَّ بضائقة أو وقعت عليه مصيبة أو نزلت به مشكلة تؤرقه فإنه يعلم ويدرك أن ربّه مُفرِّجٌ ما هو فيه من الكربات،وميسِّرٌ ما يمر به من المعسرات،ومسهل ما يعيشه من الصعوبات.(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). فسبب البعد عن الله عز وجل فلقد ضاقت صدور كثير من العباد في مجتمعنا هذا بسبب الإسراف في المحرمات والسيئات،والإقلال من الطاعات والحسنات،فحصلت تلك الآهات والمصائب التي نراها الآن في مجتمعنا،قتل للأنفس المحرمة وقتل للغير واعتداءات بشتى الصور المختلفة على بعضنا بعضا،فكثرت تلك الصرخات والمصائب،بل وحصل أدهى من ذلك وأمر،فصارت الوسوسة في النفوس حتى أن البعض يفكر كيف يتخلص من نفسه جراء الضيق والحسرة والوحشة التي يعيشها،فلا طعم للحياة عنده،ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجلها خلق،وكل ذلك بسبب الابتعاد عن المنهج القويم والصراط المستقيم،فوسوسة الشيطان سيطرت على كثير من الناس سيطرة تامة بسبب الاستسلام للشيطان وما يسببه من أوهام،فالشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير،فإن هم أطاعوه واتبعوا الهوى والشهوات،وارتكبوا المحرمات وتركوا الطاعات،وهجروا القربات،فقد أحلوا أنفسهم دار البوار،وستحل بهم النقمات وهذا مما لاشك فيه،فالشيطان لا يفتأ يوسوس للإنسان حتى تزل قدمه عن طريق النجاة،وتتفرق به السبل،ويغرق في لجج المعاصي والآثام،وتتلاطم به بحور الذنوب العظام،فتضيق به نفسه،فيصبح لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .
إن تعدي الإنسان على نفسه بقتل نفسه متعمداً،كبيرة من كبائر الذنوب،وقتل النفس ليس حلاً للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان،والوساوس التي يلقيها في النفوس،ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب لهانت كثير من النفوس على أصحابها،ولكن بعد الموت حساب وعتاب،وقبر وظلمة،وصراط وزلة،ثم إما نار وإما جنة،فقتل النفس لهو دليل على ضعف الدين،وقلة التوكل على الله تعالى، وسمة من سمات أهل النار والعياذ بالله. فالواجب على المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى،ويؤمن بقضاء الله وقدره،فكل ما يصيب الإنسان فهو من الله تعالى. وليعلم المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه،وما أخطأه لم يكن ليصيبه،فليصبر وليحتسب ذلك عند ربه،حتى لا يقع في محذور من أخطر المحاذير ألا وهو التسخط من قدر الله تعالى،فمن الواجب على كل منا أن يحسن الظن بالله ولا يموت إلا وهو كذلك. فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وبلغه أمانيه،ومن كره لقاء الله تعالى كره الله لقاءه وتركه وأهواءه.والعياذ بالله.

jaberabd@yahoo.com


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة