اكتشف متابعو المؤتمر الصحفي «الطويل» الذي عقده رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل،الذي يستعد لمغادرة موقعه خلال ايام معدودات،بعد ان لم تعُد المرحلة الراهنة التي تمر بها حماس «أَقلّه اقليميا»,قادرة على تحمّل تبعات وجوده على رأس الحركة، إن لجهة خطابه ومواقفه المتشددة والمنحازة الى الدائرة الضيقة المتطرفة لجماعة الاخوان المسلمين,ام لجهة التطورات المُتلاحقة على الساحات العربية وبخاصة الساحة الفلسطينية,التي بدأت تضيق على المشروع الوطني الفلسطيني,وعلى نحو بات خطر التصفية ماثلا امام الجميع، ليس فقط بوصول ترامب الى البيت الابيض وإعلانه الإستعداد لعقد «صفقة القرن» بين الفلسطينيين والاسرائيليين,على قاعدة «اسرائيل دولة يهودية ديمقراطية»,وان وقت التنكيل بها سياسيا ودبلوماسيا.. قد ولّى، وانما ايضا في اعتبار ان الفلسطينيين يخوضون ضدها «إرهابا مُنظّماً» يجب ان يتوقف,اذا ما ارادوا ان يجِدوا لأنفسهم مقعدا على طاولة المفاوضات،هذه الطاولة التي سيتواجد عليها ممثلو دول عربية عديدة,لم تعد ترى في اسرائيل عدواً مقارَنة بالعدو المذهبي المُترَبِص بهم عند بوابة الخليج.
نقول: اكتشف متابعو السيد مشعل، ان الاخير بذَل جهدا مضاعفا لإخفاء ارتباكه وتناقضه,وخصوصا في التمهيد لإعلان وثيقة الحركة التي حملت اسم «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»،حيث ذهب بعيدا في التنظير والمزايدة والإيحاء بان ما جرى هو «نضوج» في وعي الحركة و»عمق»في قراءتها للتطورات الاقليمية والدولية,وانه دليل على تطوّرها,في الوقت نفسه الذي تتمسك فيه حماس بـِ»الإستراتيجيات والثوابت»,محاولا الإيحاء – بغير نجاح – بان الوثيقة لم تأتِ بناء على طلب من اي جهة، كما يكرر مسؤولو حماس,وبخاصة الرجل الذي سيصبح الرقم «1» فيها بعد أيام,ونقصد اسماعيل هنية.
ولِأن ما ورد في تصريحات مشعل,كذلك في ما انطوت عليه الوثيقة الجديدة،التي في «اساسِياتها» تتوقف عند المسألة الرئيسة,وهي تخلّي حماس عن برنامجها الذي تضمّنه ميثاقها الصادر قبل نحو من ثلاثين عاماوهو «مبدأ»تحرير فلسطين..»كل»فلسطين لِصالح الصيغة,التي تبنّتها حركة فتح (دع عنك منظمة التحرير),فتح التي وجدت «فرصتها»الاولى بعد حرب اكتوبر 73،عندما طُرِح برنامج النقاط العشر في العام 1974 وتحّولِه الى جدول عمل المنظمة/فتح ومن سار في ركابها,من بعض المنظمات اليسارية وفي مقدمتها الجبهة الديمقراطية،فإن حماس في واقع الحال لا تأتي بجديد بقدر ما هي تُعلن الان,انها تتبنى ذلك البرنامج وتسير في أعقابه،وكي لا تجد حرجا ازاء الاسئلة والتساؤلات التي ستُطرح بعد اعلان الوثيقة,عن الاسباب والموجبات التي دعتها الى تبني مواقف كهذه؟ ولماذا «تأخرت» حماس كل ذلك الوقت كي تصل في النهاية الى ما استقر عليه رأي فتح وغيرها،ممن تعبوا من شعار «التحرير»,و»ارادوا» دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران 1967 بل هم ابدوا استعدادا لإجراء «تبادل» في الاراضي, تمنح اسرائيل فرصة ذهبية للإبقاءعلى الكتل الاستيطانية الكبرى (دع عنك القدس التي يستعدون للمقايضة عليها ايضا) داخل حدودها,مقابل «اراض» لا احد يعرف موقعها او قيمتها الاستراتيجية,كما هي حال الاراضي المقامة عليها تلك الكتل الاستيطانية،والتي قد تشمل في نهاية المطاف «مستوطنات» معاليه ادوميم,التي تسعى الاحزاب اليمينية وعلى رأسها البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت لضمها الى.. القدس الكبرى.
حماس اذاً في وثيقتها الجديدة «تقبل» بدولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران 67 وهذا هو الاهم في وثيقتها,فضلا بالطبع عن «الشرط» الذي وضعته عواصم اقليمية وعربية على وجه الخصوص،كي تفك ارتباطها «علناً» بجماعة الاخوان المسلمين,اي ان تلغي العبارة التي جاءت في ميثاقها والتي تقول عن نفسها: «انها جناح من اجنحة الاخوان المسلمين بفلسطين».
أُسقِطت هذه العبارة في الوثيقة الجديدة,ولم يعد ثمة موانع كثيرة تحول دون قبول حماس الجديدة في المشهد العربي (والفلسطيني) الراهن,الذي قد يشهد تطورات دراماتيكية (اقرأ سلبية)بعد يومين,عندما يلتقي الرئيس الاميركي بمحمود عباس في البيت الابيض,وسط تسريبات تتحدث عن «خوف حقيقي» لدى عباس,من ان يُمارِس عليه ترامب ضغوطا مكثفة,لن يقدر على مواجهتها (كذا).
اما حكاية.. «ترفض حماس جميع الاتفاقات والمبادرات ومشاريع التسوية الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية» كما ورد في الوثيقة الجديدة،فهو مجرد كلام انشائي لا قيمة له,اذا ما علمنا ان قيام الدولة الفلسطينية على خطوط العام 1967 هو «بعض» هذه «التسويات», وان قيامها محكوم سلفا بإطار «اوسلو» الذي جاءت حماس وِفقه الى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية قبل عشر سنوات,وهي التي ما تزال تحكُم القطاع وفق ادعاء انها حصلت على الأغلبية,وان «رام الله» هي التي انقلبت عليها.
احتاجت الوثيقة الجديدة بالطبع إلى بعض «البهارات»,التي تزيد «الشغف» بِمذاق الطبخة (على ما وصَف مشعل.. العمل على الوثيقة) من قبيل التأكيد على ان الصراع «ليس مع اليهود»,فيما كان الميثاق القديم يصف قضية فلسطين بانها «دينية»,ويصف المعركة بانها «مع اليهود»والتأشير الى حتمية هزيمة «اليهود»تماما كما حصل مع الصليبيين وصلاح الدين. هذا خطاب مُوجّه نحو الغرب,اما لـِ «العرب» فجاءت العبارة الجديدة مُرضية لكلِهم:«عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي»، فيما كانت تدعو في ميثاقها الذي بات قديما الآن الى «فتح الحدود امام... المجاهدين».
هل هذه براغماتية ونضوج وقراءة دقيقة لواقع القضية الفلسطينية وتعقيداتها؟، ام انها انخراط كامل في «لعبة الحل» الجديدة,التي بدأت عواصم اقليمية ودولية العمل الحثيث,لِتحديد قواعدها والأطراف المشارِكة فيها؟
... الأيام ستُخبرنا.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو