السبت 2024-12-14 19:29 م

خبراء المنسف!

08:47 ص





لحظة وقوف أغلب الأردنيين على المنسف تشبهها فقط لحظة وقوف علماء الفضاء على منصات إطلاق المركبات الفضائية؛ إذ في كلتا الحالتين تُحبس الأنفاس وتتوتر الأعصاب، وقد يُسمع في المكان حتى زفير النملة!


أما الفرق بين اللحظتين، فهو أنه إذا ما انطلقت المركبة الفضائية بسلام، تتعالى صيحات العلماء فرحا بأنهم نجحوا في غزو الفضاء، بينما إذا ما انطلقت الأيادي باتجاه 'الهبرة'، وتبين أنها من خيرات بلدنا، فإن الصمت المطبق وعدم القدرة على التنفس هما بشائر الخير على اقتراب النصر المؤزر... أو السكتة القلبية!

لكن إذا ما وُضعت المناسف وكان 'المعزب' يتصبب عرقا، ولوحظ أن الطباخ قد اختفى من كل المكان، والحضور على المناسف يتبادلون الحديث عن فرص فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية.. فاعلم حينها أن الخاروف هو من مجهولي النسب!

ذلك أن أغلب الأردنيين على المنسف البلدي إذا سجل ريختر زلزالا بقوة 7 درجات لن يشعروا به، بينما إذا كان المنسف من تجميع دول 'الكونكاكاف' فيصبحون مثل فريق كرة القدم الخاسر بفارق كبير؛ يتبادلون 'الهبرات' فيما بينهم تضييعا للوقت، حتى لا تتضاعف النتيجة!

نعم، يغفر المجتمع للمجرمين زلاتهم، ويغفر للسياسيين أخطاءهم... لكنه لا يغفر أبدا للمعزب إن كان اللحم مستوردا. فقد تكفل الزمن بطي كثير من الويلات وملفات فساد، لكنه عجز عن طي قصة منسف واحد صنع بلحم مستورد. وهناك من مات قبل الحرب العالمية الثانية، ويتم حتى الآن إحياء ذكراه العطرة بأنه طبخ منسفا بلحم مستورد غنمه من القوات الغازية!

نجح أحد الفاسدين في 'لهف' 500 مليون دينار من دون أن يكتشفه أحد، واستوردت بعض الشركات مواد غذائية إن أكلها وحيد القرن قد يتسمم، ولم يكتشفها أحد! بينما لم ينجح حتى الآن أي أحد في أن يطعمنا منسفا بلحم مستورد على أنه 'بلدي'! وفي إحدى المرات كدنا نُخدع، إلا أن أحد المشاركين معنا في الغزو اكتشف من بؤبؤ عين الخروف أنه من مواليد جنوب السويد، وأنه من 'شلايا الشيخ مايكل'. تخيلوا؛ الأطباء يطلبون فحص دم وصور أشعة ومخطط قلب، حتى يتبين لهم نوع الفيروس، بينما رفيق الكفاح والنضال معنا على المنسف، شرح لنا السلالة الوراثية للخروف حتى سابع جد من البؤبؤ!

ما أزال مفجوعا من التحقيق الصحفي الرائع الذي نشرته 'الغد'، ويتحدث عن أرقام وزارة العمل الوهمية فيما يخص توفير فرص عمل.

للأسف، لم تدرك الوزارة حجم الألم والقهر اللذين قد تزرعهما في نفوس الشباب، حين يتبين لهم أن فرص العمل والأرقام المتعلقة بها، ما هي إلا 'أضغاث أحلام'. وغاب عن ذهن المسؤولين أن من أهم دوافع الشباب للالتحاق بالمنظمات الإرهابية هو فقدان الأمل، وصناعة الوهم التي تبدع فيها بعض الوزارات!

رغم أننا نجحنا في المحافظة على المنسف من العبث والتزوير كل تلك العقود، إلا أن ذلك لن يحقق النمو، ولن يساهم في سداد المديونية، أو حل مشكلة البطالة. بينما حين ننجح في المحافظة على أرقامنا من العبث والتزوير، فإنها تكون مؤشرا حقيقيا لنا لمعالجة الاختلالات، حتى ينمو بلدنا ويزدهر.

مثلما تراكمت لدينا الخبرات حتى أصبحنا نستطيع تمييز المنسف البلدي من المستورد بالنظر إلى 'طاحونة عقل' الخروف، ليتنا نمتلك مثل هذه الخبرات لتميز لنا المسؤول الصادق من المزيف من خلال لسان المسؤول الذي لا يتوقف عن الحديث عن الإنجازات!

إن كان من 'زوّر المنسف' يعذب حتى اليوم كما لو أنه وقع بيد 'داعش'، فماذا يستحق من زوّر لنا مستقبل البلد؟!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة