الجمعة 2024-12-13 13:19 م

رحيل مسلم بن نفل: ثائر ظفار

02:09 م

الوكيل - بهدوء الشجعان الاحرار يرحل وفي صمت الانقياء الاتقياء يودع الحياة، بعد أن دوّن في سجل التاريخ اسمه كأول من أطلق الرصاصة الأولى في الثورة الظفارية، التي سيُكتبها تاريخ الثورات أنها أول ثورة في الجزيرة العربية في التاريخ الحديث، وأول ثورة شعبية يلتحق بها احرار الجزيرة والخليج.

فقد غيب الموت في السابع من يوليو الجاري الثائر مسلم بن نفل المسهلي الكثيري، الذي أطلق أول الرصاصات في ثورة ظفار في ربيع 1963حينما اعترض مع جماعته لسيارات شركة (ميكوم) الامريكية للتنقيب عن النفط في ظفار، في عهد السلطان سعيد بن تيمور، بعد هذه الحادثة التي اعتقل بسببها ثم تمكن من الفرار، بحث بن نفل عن دعم خارجي ضد نظام السلطان سعيد بن تيمور، الذي تحولت عُمان في عهده إلى دولة مهددة بالانقسام وأوضاع شعبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية هشة وسيئة للغاية، بسبب تعنت السلطان الذي راهن على ابقاء الشعب في حالة من الجهل والتخلف والأمراض لتثبيت حكمه.
اتصل مسلم بن نفل بآل سعود الذين كانوا يدعمون في الوقت ذاته إمامة عُمان وهي حركة دينية لا تؤمن بتوارث الحكم بل بانتخاب الإمام من قبل علماء المذهب الاباضي، وهذا ما جعل الكاتب الصحفي رياض الريس يصف الاباضية بأنها أول مذهب ديمقراطي في الاسلام، لم يكتفِ بن نفل بالدعم السعودي، بل سافر إلى العراق مع مجموعة من الثوار الظفارين وصل عددهم إلى 150مقاتلا للتدريب على استخدام الاسلحة الحديثة وعلى خوض حرب العصابات ضد الجيش النظامي العُماني الذي يتكون أغلبه من عناصر غير عمانية، وكانت الخطة تقتضي بإرسال ثلاثة فرق إلى ظفار مجهزة بالأسلحة لبدء الكفاح المسلح، وقد اتفق أعضاء الجبهة وقاداتها على التوجه نحو ظفار عبر ثلاث طرق رئيسية، الأولى كانت عبر البحر من الكويت أو العراق عبر الخليج العربي مرورا بخليج عمان ثم بحر العرب ليصلوا إلى ظفار، أما الطريقة الثانية فكانت عبر الجو من الكويت إلى عدن ثم برا أو بحرا إلى سلسلة جبال القمر ومن ثم الى مدينة صلالة، والطريقة الثالثة كانت من الكويت إلى السعودية عبر صحراء الربع الخالي إلى بادية ظفار، وبعد اكتمال العدد سيتم عقد المؤتمر في أحد الكهوف في جبال ظفار، وقد تعرضت المجموعة الأولى التي عبرت البحر في سفينة محملة بأسلحة من العراق، إلى قرصنة من قبل البحرية الإيرانية، التي سلمتهم إلى السلطات البريطانية الحليف الرئيس للسلطان سعيد بن تيمور، وقد تعرض أعضائها للتعذيب في قلعة الجلالي في مسقط، أما المجموعة التي قدمت جوا من الكويت إلى عدن ، فقد عادوا بشكل ظاهري لزيارة الأهالي، وفور عودتهم إلى صلالة ألقي القبض على 50 منهم، وفر الباقي إلى الجبال، وتعرض السجناء لأبشع أنواع التعذيب، ولم يفرج عنهم إلا في بداية حكم السلطان قابوس، أما المجموعة الثالثة التي سلكت الصحراء بقيادة مسلم بن نفل فقد تمكنت من الوصول بسلام إلى ظفار، وهي التي شكلت النواة الضاربة للجبهة بعد أن التحق بها بقية الثوار الذين نجوا من الاعتقال، وقد أعلنت جبهة تحرير ظفار بيانها الأول في 9يونيو 1965 تخليدا لاستشهاد سعيد بن غانم سمحان المسهلي أول شهداء الثورة، والذي قتلته قوات السلطان خلال كمين شمال غرب ثمريت.
بعد مؤتمر حمرير الذي عقد في ظفار في سبتمبر 1968، والذي نتج عنه قرارات تحولية في مسيرة ثورة ظفار التي تغير اسمها من جبهة تحرير ظفار إلى الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل، والتي تبنت الاشتراكية العلمية ايديولوجيا باعتبارها الإطار التاريخي لعمل الجبهة، انسحب مسلم بن نفل من الجبهة مفضلا الانعزال عن الخوض في غمار الجبهة التي انشق عنها العديد من الشخصيات المؤثرة، والتي التحقت بعد العام 1970بالعمل مع النظام الجديد بقيادة السلطان قابوس، وقد تقلد البعض من الثوار السابقين مناصب سياسية وتولوا حقائب وزارية، وحده بن نفل ظل بعيدا عن المناصب والحقائب، مفضلا أن يكون حرا كما كان يقول كلمة الحق، التي أودت به إلى الاعتقال والتعرض للمضايقات، كان آخرها في العام 2004 حين اراد نشر مذكراته (الجرح الدامي)، وحسب ما ذكر أحد المواقع الالكترونية ـ سبلة العرب- في حينها، إن مسلم بن نفل تعرض لمحاكمة في مكتب المفتش العام لشرطة عمان السلطانية بتاريخ 5 ابريل 2004، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة ثلاثة سنوات ما لم يتنازل عن إصدار مذكراته (الجرح الدامي).
رحل مسلم بن نفل المسهلي، ورحلت معه ذاكرته المجروحة والنازفة، تاركا تاريخا ناصعا يحكي للأجيال القادمة سيرة ثائر آمن بالمبادئ وقاتل في سبيلها وانسحب لأجلها واعتقل بسببها، ثائر لم تكن غاياته المناصب ولا كراسي الوزارات، فمن انتصر على ذاته وغلب الماديات، يمتلك حريته، الحرية التي يقول عنها الروائي والكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني ‘أنا أحكي عن الحرية التي لا مقابل لها، الحرية التي نفسها المقابل’.
لقد كانت ظفار سخية مع ابنها المناضل مسلم بن نفل، فقد ودعته بزخات من الرذاذ المتواصل لترطيب ثرى الثائر الشجاع، الذي لم يُترك كي يكتب يومياته كما عاشها وعايشها وصنعها، تغمده الباري عزوجل برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة