السبت 2024-12-14 13:29 م

زواج أوكتان 38!

07:30 ص

-1-
«كل عام وأنت بخير»، قالت لي، وهي تعد لي فنجان القهوة الصباحي، وفي العادة وهذا ليس اعترافا نادرا، أنا من يعد فنجان قهوتي، وفي أحايين كثيرة، اعد فنجانين، الأول لي والثاني لها، إن كانت أفاقت من نومها، قلت لها مستغربا: ما مناسبة هذه التهنئة الصباحية؟ لم تغضب، قالت لي ببساطة: إنه عيد زواجنا!
لم أضرب على صباحي مستغربا، متصنعا الدهشة، ومفتعلا مشاعر كاذبة، ولم أبد أي ردة فعل غير طبيعية، وهي كذلك، فقد مرت مناسبات كهذه في أعوام سابقة، لم تتذكرها هي، ولم يتذكرها أحد سواي، سألتها وهي تعد نفسها للخروج: كم مضى على زواجنا؟



طبعا كان بإمكاني أن أحسب هذه «المعادلة» ببساطة، لكن كان رأسي يغلي بحسبة أخرى، هي «معادلة التسعير بالمشتقات النفطية» محاولا فهم هذا اللغز الأزلي في الأردن، خاصة بعد أن قرأت تقرير الزميل لقمان اسكندر في «عمون» قبل أيام، لقمان الحكيم في هذا الموضوع فعلا، قارن بين سعر بنزين كيا سيفيا، أشهر سيارة في الأردن، وهي سيارة أعلى طبقة في «المسخمين!» وبين وقود طائرات الإيرباص والبوينغ 747، ووجد أن سعر وقود الطائرات الأجنبية وصل إلى 475 فلسا للتر، أما وقود الطائرات المحلية فرفعته الحكومة إلى 470 فلسا للتر، بعد أن كان 441 فلسا للتر. بل إن وقود طائرات الرحلات العارضة بـ 490 فلسا للتر الواحد. بينما وقود أوكتان 90 رفعته الحكومة على المواطنين الى 815 فلسا للتر، بعد ان كان 780 فلسا للتر الواحد.. فماذا يعني ذلك؟ يسأل لقمان الحكيم، ويجيب أن الحكومة لا تستطيع ان ‹›››››››تراوغ›››››››› شركات الطيران الأردنية والأجنبية، لأنها تعلم أن هذه الشركات تعلم جيدا السعر الحقيقي العالمي، ثم أن لهذه الشركات حظوة نفوذ في قلب الحكومة!


المهم...
استوقفتها وهي خارجة، فيما كنت غارقا في فك رموز «التسعيرة» اللعينة: كم مضى على زواجنا؟ قال وهي تعطيني شعورا بأنها تعيش حالة سلام ذاتي: 38 عاما، ثم أردفت: تصور، 38 عاما وأنت تحتملني!
الإضافة الأخيرة في الجواب، كانت تحمل في ثناياها ضدها، أو هكذا بدا لي، فقلت: بل ربما 38 عاما وأنت تحتملينني!


ابتسمت، وغادرت، وتركتني أحسب أشهرا وأياما ودقائق وثواني حياتي الزوجية، فكانت «العدّادات» تشير إلى: 456 شهرا، 13879 يوما، 333096 ساعة، 1199145600 ثانية!
ولا أعلم حينها لم تبادر إلى ذهني وأنا أطالع هذه الأرقام، عدّاد السيارة، وهو يخبرك عن الكيلومترات التي قطعتها منذ صناعتها، و»العمر» الافتراضي للسيارة، أو الزواج، لا أدري، وربما الكيلومترات التي تقطعها السيارة بتنكة البنزين!.


تداخلت الأرقام في رأسي، وشعرت بثقل فيه، والحاجة الماسة لتناول فطوري، وحيدا ربما، كي أتمكن من ابتلاع حبة مسكن، لأنني لا أستطيع بالطبع ابتلاعها على معدة فارغة!


-2-
حينما جلست وحدي، وأنا أقارع شاشة الكمبيوتر لأكتب مقالتي اليومية، مرت في رأسي سريعا جدا، أهم محطات سنوات الزواج الـ 38، وتداخل في رأسي معها قصص زواج شباب صغار من جيل اليوم، تومئ إلى فشلهم في الاستمرار، وكيف صمدت «سفينة» زواجنا في رحلتها العاصفة، وما تعرضت له من أخطار وعواصف، كادت تقلبها وتغرقنا جميعا، وكيف تغلبنا على كل هذا وبقينا معا كل هذه السنوات، وفكرت أن علي أن أفعل شيئا أعرب فيه عن الامتنان، وشكر الله عز وجل، أن «نجحنا» بثمن باهظ للبقاء على قيد الأسرة والزواج، مع أننا كنا في أكثر من منعطف على شفا جرف هار كاد يبتلع كل شيء، الغريب أنني نسيت قصة تسعير المشتقات النفطية، ولغزها الأبدي، وبدأت أعد لاحتفال، قد لا يتم طبعا، بعيد زواج أشبه بعلاقة مواطننا بحكومته، واستحالة «الطلاق» والتفريق، حتى لو وصلت الأمور إلى مرحلة ما يسمونه «الطلاق العاطفي»!

ترى هل هناك بنزين أوكتان 38، وكم تمشي السيارة بتنكة بنزين كهذا؟


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة