الجمعة 2024-12-13 12:49 م

‘ساق البامبو’ لسعود السنعوسي: عندما تدير لي الكويت ظهرها أهرب الى الفليبين!

09:57 ص

الوكيل - … انتهيت من قراءة رواية ساق البامبو لمؤلفها سعود السنعوسي ، ولا أنكر الشعور الذي انتابني عند آخر صفحة قرأتها لقد أدخلني المؤلف جوا من الحزن والأسى كان آخر العهد به حين فرغت من قراءة رواية البؤساء .

لم يكن عيسى أو هوزيه أو جوزيف كاجان فولجان، ولكنهما ينطلقان من زاوية واحدة وهي ظلم المجتمع، ولست هنا للمقارنة بين الروايتين ولكن شيئا ما ذكّرني برواية هوجو العالمية .
لقد استطاع المؤلف أن يشكل شيئا من عقلية ‘ السيد’ في الخليج العربي ويأخذ بها إلى جانب طالما ألح علينا كمواطني مجلس التعاون النظر أو إعادة النظر إليه، وهو مسألة الجاليات الوافدة من أقطار العالم للعمل في هذه المنطقة الغنية من الأرض، سيما وما تحمل هذه الجاليات من ثقافات تأصلت لديها، وما تراه من ثقافة تخالف الموروث لديهم ، بل إنهم ملزمون بكل هذه العادات الدخيلة عليهم ، ناهيك عن الأخلاق التي يقابلون بها في الكثير من المرافق الخدمية التي يتعاطونها.
لقد استطاع السنعوسي بشخوصه القلائل وتقسيمه العجيب بين بلدين وثقافتين متباعدتين أن يبعث روحا خفية ما كان لها أن تحيا لو أنها ظلت حبيسة سجلات الأحوال المدنية التي دونت في أغلبها الأعمال المخلة التي ترتكبها بعض الجاليات الوافدة، متناسين المعاملة السيئة التي تتعرض لها الكثير من هذه الجاليات ، وكذلك الأحوال التي رمت بهم إلى تلك البلدان التي تختلف كل الاختلاف عن بيئتهم ومعتقداتهم ، كما أنه من الملاحظ عدم تدخله في حوارات شخوصه إلا في أضيق الأحوال وهو ما يلاحظه القارئ حين تحدث عن الإسلام والأديان وما يفعله الاتباع في استقطاب الآخر ص299
لقد جالت الرواية بكل أجزائها الخمسة وصفحاتها التي اقتربت من ( 400) صفحة بمأساة قل من التقطها في عالم الرواية الخليجية على الأقل بهذه التقنية الجميلة ، وبهذا الإخراج المبدع، والحق أن المؤلف تجاوز في روايته مرحلة القراءات المؤقتة ، حيث إنه لم يترك الفسحة للقارئ حتى يجزئ الرواية للأوقات المناسبة ، إنه يمارس سطلة سحرية تجبر القارئ بسبب ولسبب أن يتم القراءة إلى نهاية الجزء والأجزاء إلى نهاية الرواية.
فالرواية تسير بطريقة سلسلة في تصوير الأحداث إلى درجة أن القارئ يخرج بحصيلة مفادها أن الآباء لا يعلمون حجم الذنب الذي اقترفوه حين يلقون بتلك النطف في حالة من حالات النشوة أو الانتقام، فما حدث لجوزافين في شاليه آل الطاروف أنبت إنسانا يقبل بأكثر من أم وبالتالي أكثر من اسم .. ووطن .. ودين .
عيسى عبدالله الطاروف الذي ولد في الكويت لأب كويتي وأم فلبينية كان حظه أن يتخلى عنه والده لاعتبارات اجتماعية ؛ فعاش عيسى العربي وjose بالإنكليزية وهوزيه بالفلبيني وخوسيه بالإسباني، طفولة متناقضة بداية بالأصحاب والأقران في قريته، فكانوا ينادونه Arabo رغم أنه لا يشبه العرب في شيء إلا نمو شاربه وشعر ذقنه بشكل سريع ، وعند أمه ‘آيدا’ ذلك الكاثوليكي الذي يعمد ، وعند أمه مسلم بالوراثة ، وفي عقله بوذي متأمل.
هوزيه ذو السحنة الفلبينية المتجذر في بلد المنشأ حتى لامس جذوره أعماق الأرض كشجرة البامبو أو الخيزران ما لبث أن اقتلعته الأيام إلى موطن الأجداد.
هنا يشاهد عيسى المجتمع الذي عاند والده في القدم فورّثه ذلك العناد بواقعه المرفوض جملة وتفصيلا ‘ الأمر ليس سهلا ‘ هكذا قالت ‘خولة’ أخته، إذن الدخول إلى طبقة كهذه ليس كنزهة في كهوف بياك- نا باتو مع (ميرلا محبوبته وابنة خالته) إنها عقدة الاسم وما يجب أن يقدم له من القرابين ليبقى كالنجم لا يستطع الوصول إليه أحد، عائلة الطاروف لا تقبل إلا من يليق بها اسما ومكانة لأنها تحيا تلك العقدة الطبقية التي تميزها عن غيرها ، فالمجتمع يعيش صراعا طبقيا يبدأ بالفرد وينتهي بما يحويه من طبقات.
‘ شيء معقد ما فهمته في بلاد أبي. كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها ، وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها ، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي الأخرى’ ص279
المجتمع ليس سهلا .. الديانة التي ورثها عيسى كانت ثقلا يضاف إلى الأعباء التي وجدها في أرض الوطن خاصة وأنه يحمل في ذهنه الطقوس الكاثوليكية والتأملات البوذية والصور الجهادية المظلمة ، عليه لن ولم يتخلص منها بهذه السهولة، وإن قابل إبراهيم سلام وحادثه عن الدين الإسلامي وأتى له بالخوارق والمعجزات ‘ لأن الأديان أعظم من معتنقيها’299ص .
الديانة لم تك سوى مرحلة من مراحل التغيير المجتمعي الذي حدث لعيسى بدليل أنه لم يتحمل الذهاب إلى المسجد خمس مرات وما أن حذرته هند من الاقتراب من إبراهيم سلام وأصدقائه حتى لاذ بالفرار عن بقايا موروث ديني خالط جيناته .
لم يكتف السنعوسي بالطبقة المخملية فراح يهبط ببطله إلى مطعم للوجبات السريعة وكأنه يبحث عن نبض الشارع الكويتي وما يحدث من تصادم بين تلك الطبقات والفئة الوافدة وما يدور بينهما من معارك في ساحات ( البورجر) حين يتلقون الشتائم لأتفه الأسباب و’ لكن أوغاد ينتقمون من أوغاد’ ص333
مما يلاحظ في سياق التشكيل السردي تسارع الأحداث، إذ تصل الذروة حين يتداخل والطبقة الوسطى التي قد تتفهم ما يعانيه كونهم ينادون بالتغيير للكثير من المفاهيم العالقة بالمجتمع خاصة فيما يتعلق بالنظرة للآخر إن كان من ( البدون) أو الطائفية البغيضة فكان الاعلان للانتخابات هي الخلطة السحرية التي تجمع القلوب على مشاربها المختلفة، وإن شئت فقل المصالح هي جامعة القلوب والعقول ، نتج عنها تلك الحوارات الساخنة التي تأتي على كل صغيرة وكبيرة وخلال تلك النشوة العابرة فاه عيسى بالسر الذي لم يطلع عليه أحد وإن كانت أم جابر الجارة الثرثارة ، ولكن جابرا كان من الحاضرين بقوة خلال الحوار.
- المرشحة هند الطاروف هي عمتي.
- أنت تمزح !! تركي
- هند عيسى الطاروف .. شقيقة عبدالله عيسى الطاروف أبي.
- جابر: أنت تكذب !!!
بهذا الخبر الذي انداح في الكويت ( لأنها صغيرة كما يقول البعض) الذي يمثل الذروة في الحبكة لا من حيث الجانب الدلالي فحسب وإنما من الناحية العاطفية للمتلقي الذي يطالع بدوره ذلك الزيف المستشري في مجتمع يدعي الإسلام ويعامل أبناءه من خلال اللون، والشكل، والاسم، مجتمع يقوم بطرد أبنائه في الداخل والخارج :
‘ الكويت .. كلما أحكمت قبضتي على طرف ثوبها فلتت من يدي .. أناديها .. تدير لي ظهرها .. أركض إلى الفلبين شاكيا’ ص304
لم تعد الشكوى في هذه المرحلة مجدية بل أصبح من الضرورة الرحيل والعودة إلى وطن لا يلفظه، وطن يبحث عنه ويعتز وروحه التي سكنت هناك إلى الأزل بالرغم من انقسامها وميلها إلى تربة الأجداد التي لم يأخذ منها إلا تلك الذكريات العجيبة
‘ بلاد العجائب .. صورة مغايرة لصورة كنت أراها طيلة حياتي في الفلبين .. صورة خاطئة مطابقة لأحلامي .. لا شبه بين البلاد في مخيلتي القديمة وواقعي الجديد سوى أن هذه وتلك .. كلاهما .. بلاد العجائب ‘ص367.
مما لا شك فيه أن السنعوسي حين كتب ساق البامبو كان يستحضر في مخيلته أكواما من الأحداث التي جرت في أرض الخليج عامة والكويت على وجه الخصوص أقلها من خلال اللقاء بهم في مخافر الشرطة فقد مارسها عيسى ( المؤلف ) حين أضاع الأوراق الثبوتية فطالع الوجوه الخائفة على لقمة العيش وتلك التي تمارس الغواية على ضعيفي النفوس والثالثة التي لا تبالي في أي وادٍ هي.
في الختام لم يخرج عيسى من الفلبين إلى جنة وارفة، وإنما خرج ليطالع بنفسه تلك الوجوه التي سافرت في سماء الأحلام ، وقرر أن يرى مجريات الأمور وما يحدث لها خلف البحار ، لم يك عيسى الطاروف حالما بالثروة بقدر التعرف على مالكيها الذين يحسبون كل صيحة أو اسم قد يدمر بنيانهم الذي بنوا عبر أجيال ، والتي لم تك في حقيقة الأمر قبل الطفرة شيئا يذكر.
عيسى الطاروف ( المؤلف ) كشف الأوراق بصورة ممتعة من خلال كويتي من أصل فلبيني أو العكس إذ إن شهادته لن تقبل في مجتمعه وكذلك الوافد الغريب وهنا عليه ( المؤلف ) أن يخلق من يجمع الغربة والجذور ، ولتأصيل وتعميق تلك الفكرة عمد إلى لغة ذلك الكائن الغريب واستدل له بقول المناضل الفلبيني خوزيه ريزال ‘ إن من لا يحب لغته الأم ، هو أسوأ من سمكة منتنة’ 388 والقصدية من وراء ذلك تمرير الحقيقة بصورة تبعد عنه التحيز لفئة بعينها ، ثم ما لبث أن صنع ذلك الإنسان الأمين الذي تعلم في المعهد الديني في الكويت ليكون المترجم الوفي لكل وقائع الرواية .. ‘ تصل إلى إبراهيم محمد سلام هاتف رقم :009655253545

أكاديمي من سلطنة عُمان


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة