السبت 2024-12-14 21:30 م

سناء أبو شرار : الألم ملك بلا مملكة

06:10 م

حاورها : تيسير النجار - تتطرق رواية سناء ابو شرار الجديدة والتي تحمل عنون ' سويسرا الوطن والمنفى' والصادرة حديثا عن دار الهلال في مصر ، وبيع منها لغاية الآن ما يقرب اربعة آلاف نسخة إلى واقع الغربة الجديد لعدد من الجنسيات العربية: عراقية- فلسطينية- سورية وهي غربة حديثة ومختلفة عن غربة العربي في السابق؛ حيث كانت الغربة سابقاً وبأغلب الأحيان غربة إختيارية للعمل أو الدراسة ولكن الغربة الحديثة هي غربة إقتلاع فعلية، لأن من يهاجر لن يعود، فوطنه لم يعد يصلح للحياة.


يدرك أبطال الرواية التي جاءت في 350 صفحة بأنهم لن يستطيعوا العودة لأوطانهم لأن أوطانهم تحترق أو مدمرة أو لم تعد تقدم لهم أي خيار مستقبلي مادي أو اجتماعي أو سياسي. فيعلمون تماماً بأن سويسرا تتحول إلى الوطن والمنفى.

وتناقش الرواية مشاعر الانسان العربي في ظل هذه الغربة القسرية والتي لم يختارها ولكنها أصبحت طريقه الوحيد للبقاء على قيد الحياة وحول الرواية وتفاصيلها كان هذا الحوار الخاص حولها :

• في روايتك سويسرا الوطن والمنفى' كيف يمكن للفكر ان يكون أرضية مشتركة ؟
ـ أساس الفكر أنه أرضية مشتركة لأنه ترجمة للمشاعر وللمفاهيم ووسيلة التقارب بين الشعوب والأفراد؛ ولكنه لايمكن أن يكون كذلك دون إزالة عشوائيات التعصب والحقد والآراء المُسبقة والإعتقاد بأننا الأفضل وأن الآخر لا قيمة له. ففي كل حوار متحضر وانساني هناك فكر مشترك حتى ولو وُجدت إختلافات فكرية عميقة لأن ما يُثري الفكر هو هذه الإختلافات، فالله تعالى لم يخلقنا لكي نكون نسخة واحدة بفكر واحد، بل إن تنوع الفكر هو آية من آيات الإبداع في الخلق. وحين يتم إغلاق الفكر وتأطيره وفق مفاهيم محددة وربما تكون عقيمة ندخل في أزقة ضيقة للحياة، ولا يمكن أن نتجول في حدائق رحبة من الثراء النفسي والعاطفي. وهذه الرواية تركز على الناحية الفكرية بأنها أرضية مشتركة لأن البشر جميعاً ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم حتى ولو إختلفت مفاهيمهم وعقائدهم، فالانسان الحقيقي هو من يكون في خدمة الانسانية جمعاء ولا يمكن أن يؤدي هذا الدور دون فكر معين راقي يرى من خلاله جميع البشر وليس ذاته وإنعكاساتها في الآخرين.

* تنوع الشخوص في الرواية تحمل مستوى عال من الثقافة ما القصد والغاية من وراء ذلك وعلى الأخص شخصية الرسام ؟

ـ حيث أن كل رواية تتدرج في مستويات شخصياتها حسب ما يختار لها الكاتب، ففي هذه الرواية تم إختيار شخصيات لها مستوى عالٍ من الثقافة، لأن الحوار الثقافي بين ثقافتين شرقية وغريبة لا يمكن أن يتم دون شخصيات مثقفة تدرك وتفهم وتطلع على ما يدور في الثقافة الأخرى. يمكن أن يتم التواصل الحياتي بين جميع الثقافات وذلك حين يعيش أي شخص عادي عربي في الغرب أو أن يعيش شخص غربي عادي في الشرق؛ ولكن الحوار الثقافي والتقارب الشعوري والنفسي لا يتم إلا بمعرفة عميقة لثقافة الطرف الآخر وهذه يتطلب مستوى عالٍ من الثقافة؛ وحتى هذا المستوى قد يكون بدرجة عالية أو بدرجة رفيعة؛ لذلك كان لابد حين يتم إرسال مبعوث دبلوماسي لدولة غربية، لابد أن يكون ليس على مستوى عالٍ من الثقافة فقط بل على مستوى رفيع من الثقافة؛ لأنه لا يُمثل ذاته بل يمثل مجتمع بأكلمه، وكلما إتسعت مداركه كلما ترقت علاقته بالبلد المُضيف. وهو ما يمكن أن يحصل على صعيد الفرد العادي حين يمتلك ثقافة عالية وراقية، فإنه يمتلك أدوات أكثر ليكون على تواصل وتفاهم مع الحضارة الأخرى. نحن حالياً في عالم لم يعد يكتفي بأن تعرف ثقافتك الخاصة، حتى ثقافتك الخاصة لابد أن تكون متمكن منها، ولابد كذلك من
المعرفة العميقة لثقافة الآخر وإحترام هذه الثقافة مهما كانت النظرة إنتقادية تجاهها.

أما بالنسبة لشخصية الرسام العراقي، لقد إخترت هذه الشخصية بعمقها، وفكرها ومعاناتها وكذلك بسكب كل ألم الغربة والإقتلاع عبر ريشة رقيقة ناعمة، يعود من خلالها لوطنه وجذوره وبذات الوقت يدرك وجوده الواقعي ويرى الجمال الانساني عبر كل ما يدور حوله، وألا يكتفي بالحنين ليكون مصدر الإبداع، بل يشكل الماضي والحاضر عملية إبداعية تمتزج عبرها جميع مشاعره كعراقي أُقتلع من وطنه وكسويسري لابد أن يجد له جذور جديدة ليتمكن من الإستمرار في الحياة رغم الألم ورغم جفاف الروح.

• لماذا اخترت شخصية الرسام ان تكون عراقية ؟

ـ لأن المأساة العراقية لها أبعاد انسانية فظيعة وعميقة، وأعتقد أن مئات الكتب لن تستطيع أن تعبر عن هذه المأساة وهي مأساة لم تنتهي . كان أكثر ما يؤلمني هو رؤية نساء عراقيات يجلسن على الأرصفة في عمان ليبعن البطاريات والدخان بكل الألم والصمت، يغرقن في السواد ويخبئن دموع لا تراها سوى الأرواح. لذلك كان لابد أن تكون شخصية الرسام عراقية، لأنه لا يمكن لشخصية أخرى أن تعبر عن حجم الألم إلا شخصية تحمل سمة فنية عالية خصوصاً وأن الفن العراقي فن رفيع المستوى وشخصياته مميزة ثقافياً وانسانياً.

* إلى مدى يمكن للقارئ العربي ان يهتم بأجواء بلد حضاري مثل سويسرا ؟

ـ لقد أغفلنا في عالمنا العربي أهمية الإطلاع على أجواء البلاد والثقافات الأخرى، حتى حين نسافر يكون الإهتمام السائد هو التسوق أو السياحة. أهمية الإطلاع على ثقافة البلاد الأخرى تعني إتساع في الفكر وشمولية في المنطق ومعرفة أعمق بالتجرية الانسانية التي تتجاوز حدود الحياة الروتينية للفرد. ربما لأنني أشعر بالثراء النفسي والفكري حين أسافر لأي بلد وأطلع بعمق على ثقافتها أشعر بهذا الشعور. لأنني لا أعتقد بأننا بهذه الحياة نحيا حياتنا العادية فقط وتتكرر أيامنا متشابهه بكل يوم، بل نحن نحيا لنعرف ونتعلم ونفهم، وجزء من هذه المعرفة هو الإطلاع على حياة الشعوب الأخرى، لأننا بذلك نرى رحابة هذا الكون، وتصغر ذواتنا بنظرنا وتكبر مفاهيمنا تجاه الحياة، وهو ما يدعونا للتأمل أيضاً وهو ما حض عليه الله تعالى ؛ لأن هذه الإختلافات وهذا الثراء الانساني الذي يشبه قطعة فسيفساء رائعة الجمال لابد أن يعلمنا الكثير عن الحياة وعن خالق هذه الحياة. لذلك فالإطلاع على أجواء أي بلد هو عملية فضولية تُثير الفكر وتخلق متعة نفسية لا حدود لها.


• ما هي أسباب التي دفعتك للكتابة عن سويسرا بالتحديد ؟

ـ لقد عشت في سويسرا وأعرف المجتمع السويسري جيداً، ولكن السبب الأدبي لكتابة هذه الرواية هو البعد الانساني للمجتمع السويسري والأدب الذي يتم التعامل به حتى مع أجنبي غير مرغوب بحضوره؛ والهدوء الحقيقي لهذا المجتمع، رغم كونه مجتمع مثل أي مجتمع آخر ولكن هناك تحفظ في الشعور ومساحة إحترام الطرف الآخر خصوصاً في الجزء السويسري الألماني؛ ثم هناك الجمال الطبيعي لسويسرا، وجمال الأماكن والشوارع لأنه بلد حافظ على تراثه القديم مع تماشيه مع التطور الحديث. فالأماكن جميعها غربية ولكنها تحتفظ بروح قديمة تجعلني أشعر بشيء من الشرق بها خصوصاً حين تشرق الشمس في الصيف .


• تنقل شخوص الرواية أجواء الحرب في بلادها سواء في سوريا او العراق او فلسطين وتصرين على وصف ما يجرى بالعدوان وليس بالحرب لماذا ؟


ـ لأن ما حصل في فلسطين والعراق وسوريا ليس حرباً بل عدواناً على البشر والمكان والطبيعة، الحرب تكون بين أطراف متكافئة القوة أو تكاد تكون ذلك، ولكننا في المنطقة العربية نتعرض لعدوان متواصل ويتم تسمية ذلك عمداً أو جهلاً بالحرب، والدليل أنه لا يوجد مهزوم أو منتصر بما يُسمى'حرب' كل ما يوجد هو تدمير ممنهج ومنظم للانسان والطبيعة والمؤسسات ، بل للكيان النفسي والعاطفي للانسان العربي؛ وهو نوع جديد من الحروب هذا إذا صح تسميتها حروب، هي عدوان منظم ومدروس ويترك آثار أشد فتكاً وخطوراً بالأمة العربية والاسلامية لأنها تهدف إلى تدمير بنية المجتمع والانسان العربي. أما عن أجواء العدوان وليس الحرب، فكان لابد من وصف هذه الأجواء لأننا عبر الصحافة لا نستمع ونقرأ سوى عن أرقام الموتي والجرحي وننسى أو نتناسى المعاناة الفردية لكل شخص، وأن هناك من تم إبادة جميع أفراد عائلته، هناك من أُصيب بعاهة دائمة، هناك من مات جوعاً أو خوفاً، لذا كان الأدب ولا يزال الراصد لمعاناة الفرد مثلما ترصد كاميرا الصحفي معاناة الدول، ولهذا أيضا لابد أن تكون رسالة الأدب رسالة جادة انسانية ونبيلة، لأنه ينقلنا من عالم التجرد من الشعور والذي تفرضه سلطة الصحافة إلى
عالم الانسان المنسي هناك بين الأنقاض فيقول لنا الأدب ما لا تقوله التقارير، يقول لنا بأن زيادة عدد الضحايا لا يبرر نسيان ألم الضحية.


* ليس ثمة فروقات في الألم في الرواية فهل الألم يوحد العرب ؟ وما فلسفتك لمفهوم الألم .

ـ إن كان يوجد ملك بلا مملكة، فهو الألم، إنه الملك لعدد غير محدود من الرعايا، وهم رعايا يختارون ممكلته لأنها بوابتهم القسرية في الحياة، وهو ملك صاحب نفوذ صامت لأنه تحت وصايته تقبع المشاعر والأفكار والدموع أيضا. قد لا نحب الألم ولكن يكفي للألم فخراً بأنه يصقل الذات البشرية ، يوقظها من غفلة الظلم، ويُواجهها بضعفها البشري كي تحارب التجبر البشري. ولكن يبدو أن الألم كان في السابق يوحد العرب ولكنه الآن يشتتهم لأنهم يعتقدون بأنهم قد عانوا بما فيه الكفاية وأنه لم يعد لديهم الطاقة للإحتمال، فيبدو أن كل شخص مشغول بمعالجة ألمه حتى ولو على حساب الآخر. الفروقات في الألم في الرواية أتت مُتعمدة، لأن الألم يتدرج بها من الإقتلاع من الوطن، ثم مشاعر الغربة، ثم النظر للذات على أنها غريبة في أرض غريبة أيضاً، ثم إسقاط كثير من الأفكار والمشاعر ليتمكن الغريب من التعايش في عالمه الجديد، ثم تأتي مرحلة غرس جذور جديدة وهي عملية مؤلمة جداً لأنها تعني تبني جديد للذات بملامح أخرى وثقافة اخرى بل وبروح أخرى.

أما مفهومي للألم ، فلا يوجد ألم مع الحكمة، لأن الحكمة تهمس لك بأنك لا تمتلك هذه الحياة المتغيرة الفانية وأنك لست سوى عابر سبيل، فما تمتلكه اليوم قد تفقده غداً وما تحبه اليوم قد تكرهه غداً، ثم تقول لك الحكمة وبوضوح وبعد سنوات من التجارب المُضنية بأنك قد تًضيع عمر بأكمله لأهداف لا قيمة حقيقية لها، وأن الهدف الحقيقي في الوجود هو مخافة الله تعالى ثم محبته ثم الإستعداد للقائه. وإن كان الألم يُضعف الفرد والجماعة فهو أيضاً قد يُعيد ميلاد الفرد والجماعة، وفي كل محطات الحياة يختار كل منا درج ما يصعد من خلاله إلى عوالم عليا في الوجود أو ينحدر من خلاله إلى عوالم سفلى في الوجود، وقد أرشدنا الله تعالى لطريق الحق والعدل وبذات الوقت منحنا مُطلق حرية الإختيار.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة