السبت 2024-12-14 15:49 م

سياسة القلّة المهيمنة والأكثرية المهمشة

08:22 ص

تبدو سياسات الحكومات وكأنها سلوك طبقة أو مجموعة من المصالح والتحالفات تجاه الأغلبية بما هي طبقات أخرى تابعة أو معادية، وبالطبع فإن أحدا من المسؤولين وشركائهم لن يعترف بذلك، لكن العقل الباطن للسلوك والسياسات والتشريعات والقرارات والإعفاءات والتسهيلات واتجاهات الإنفاق وجمع الموارد والضرائب يظهر أن السياسات العامة والاقتصادية تدار على النحو الذي يمنح قلة من الناس كل شيء ويحرم الأغلبية من كل شيء، ثم وفي تطور اجتماعي وذهني بسبب تراكم المكاسب والفرص وتوريثها تتحول السياسة نفسها إلى عمليات استعلاء وعداء تجاه الأغلبية الكبرى من المواطنين.



الدول والمجتمعات تتبع في علاقاتها وتجاربها القيم والأخلاق التي تدور حولها المؤسسات السياسية والعامة، أو تستهدف تغييرها وتطويرها الحركات والتيارات السياسية والاجتماعية. ولكنها قيم وأخلاق يفترض أن ينشئها موقفٌ عقلاني، فإذا لم تكن الأخلاق والقيم عقلانيةً، فإن السلوك السياسي والاجتماعي، الفردي والجمعي، يتحول إلى تسوياتٍ غير أخلاقية، ويزود التخلف بمبرّراتٍ ومسوغاتٍ اجتماعية وثقافية.


ويتصرّف الناس، دولا وطبقات ومجتمعات وأفرادا، معتقدين أنهم على صواب، ولديهم أسباب جيدة لتفسير رؤيتهم، وتحيط باختياراتهم الرغبات العاجلة والمباشرة، والضغوط الناشئة عن الموقف، والميل إلى نسيان حياة الآخرين وتجاربهم وتجاهلها، وحدود قدراتهم على تدبر نتائج أفعالهم وعواقبها. لكن في هذا الاعتقاد بالصواب وعدم القدرة على رؤية احتمال خطأ الذات وصواب الآخر ومعقوليته، يتحوّل الموقف إلى معتقدٍ راسخ لا يقبل الجدل والمراجعة، ثم في تكرار وتراكم الأفعال التي نحسبها صوابا نتحوّل إلى مبالين بأفكار الناس ومواقفهم ومعاناتهم، فلا نعود نرى إلا ذواتنا.


وقد يتطوّر التعصب للموقف إلى قسوة وسادية، بل وتكون آلام الآخر متعةً أو مكافأة يحصل عليها المتسلطون والمتعصبون، وقد تنشأ قيم التعصب والقسوة والكراهية ومحفزاتها، بسبب الفشل السياسي أو الفردي، فالناس غالبا ما يكونون قساة، لأن القسوة تبدو أسهل الطرق للتصرف في ظروفهم الخاصة، وقد تكون هناك أسبابٌ قويةٌ لعدم القسوة، لكن الأمر الذي يتطلب مجهودا أقل هو تجاهل هذه الأسباب، بدلا من مقاومة الضغوط من الآخرين، أما اللامبالاة والكسل والجهل عن عمد والخوف من النتائج المجهولة فقد يزيد من المناورة والتلاعب المتعمد لاختيار القسوة.


طواعية التشكل وسهولة الانقياد، عنصران حيويان ومهمان في أسلوب حياتنا الحديث؛ فذلك يبقينا متوائمين اجتماعيا، وليست كل احتياجاتنا حتميةً كما تعلمنا أن نعتقد. لكن، لسوء الحظ، يمكن أن تصبح قيمة المعتقدات التي تخلق التحدّي والصراعات من الغير كبيرة نتيجة لذلك، وقد تصعد أحيانا إلى مرتبة المبادئ المقدسة، كما أن بعض المعتقدات يؤدي إلى الصراع، مثل فكرة أن لنا جميعا الحق أن تُحترم معتقداتنا القوية، مهما كان محتواها، وهناك جماعة من الناس تشجع إضفاء القداسة على مبادئها ومعتقداتها، لأنهم هم الذين يستفيدون من ذلك، ويساوون بين نقد هذه المعتقدات وعدم الاحترام، ثم وبفضل الدعاية الماهرة تتحول مصالحنا ومخاوفنا إلى فلسفة وعقائد متماسكة نحارب الآخرين لأجلها، .. والحال أن النزعة البشرية في تاريخها الطويل، وفي آليات الدفاع عن الذات، تميل إلى التعامل مع العالم المحيط من دون مساواة في اعتبارات عديدة.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة