الوكيل- بعد ثمانين عاما، تمكنت خلالها من الحصول على مكانة متقدمة بين المجلات الأسبوعية في مختلف أنحاء العالم، ستتوقف النيوزويك عن الصدور في النسخة الورقية، وستتحول بالكامل إلى النسخة الإلكترونية، الأسباب التي تعلنها المجلة موضوعية للغاية، فهي من حيث المبدأ تحصل على 15 مليون قارئ شهريا بواسطة الإنترنت، كما أن 39% من الأمريكيين أصبحوا يتابعون الأخبار عن طريق الإنترنت، وأجهزة الكمبيوتر اللوحية التي أصبحت أحد لوازم النخب المهنية حول العالم توفر عرضا متميزا للمواد المنشورة في المواقع الإخبارية.
الاقتصار على النسخة الإلكترونية
مثل هذه الخطوة أصبحت متوقعة بالنسبة لكثير من الصحف والمجلات في الدول المتقدمة، ولم يعد يناقش أحد جدوى الانتقال من انتاج وتوزيع النسخ المطبوعة، إلى الاقتصار على النسخة الإلكترونية، وكل الحديث يدور حول توقيت اتخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة، ويمكن أن تختفي الكثير من الصحف الكبرى قبل نهاية العقد الجاري، وسيغيب منظر الرجل مع جريدته، أو المرأة مع مجلتها، عن المقاهي والمطارات ومحطات القطارات، ومن الأساس بدأ منظر الشاب أو الفتاة الذي يتصفح الانترنت من جهاز اللابتوب أو الكمبيوتر اللوحي، أو حتى الهاتف المحمول، يسيطر على هذه الأماكن، ويشكل حدا فاصلا بين جيلين، وبينهما جيل في الوسط الذي يرى أن القراءة من الكتاب المطبوع أفضل بالنسبة له، لأن القراءة من الكمبيوتر مرهقة، الجيل القادم، لن يتمكن من عقد مثل هذه المقارنة، لأنه ببساطة يمكن ألا يتعرف إلا نادرا على القراءة من الكتب.
هل ستختلف طبيعة القراءة نفسها مع هذا التحول في الوسيط الذي تتم من خلاله القراءة، فالكتاب أو شاشة الكمبيوتر هما وسيط لنقل الأفكار من الشخص الذي أنتجها، للشخص الذي يستهلكها، للوهلة الأولى، يبدو أن شيئا لن يتغير، ولكن مع التدقيق فإن مقولة مارشال ماكلوهان بأن «الوسيط هو الرسالة ذاتها» تبدو صحيحة، ولكن ما هي النتائج العملية التي تترتب على ذلك، وهل يعني ذلك أننا ننتقل إلى الأمام، أم نتراجع، وربما بسرعة خرافية، إلى الوراء.
الفرق بين القراءة الورقية والإلكترونية
القراءة من الكتاب تضمن، إلى حد كبير، الالتزام بالتسلسل القائم للأفكار، مع وجود القدرة على إقامة الحوار الذاتي مع الأفكار التي يطرحها الكاتب، كما أن علاقة الإنسان الجسدية مع الكتاب تتسم بالسيطرة عليه، فيجب أن يكون الإنسان في وضعية تسمح له بالإمساك بالكتاب بصورة محكمة لتقليب صفحاته بعد الانتهاء منها، في القراءة الإلكترونية، فإن الأغلبية تكون في وضعية التبعية للجهاز، سواء كان محمولا أو لوحيا، فالجهاز يمتلك سلطة على الشخص، كما أن التسلسل ليس واردا، فبعض المواقع تضع الروابط التي يمكن أن تنقل الشخص ليتعرف على أي كلمة أو مصطلح، ويحدث عادة أن يغادر الشخص الصفحة التي يقرأ فيها إلى صفحات أخرى بصورة لا تخلو من العشوائية، حتى ينسى في النهاية الموضوع الذي كان يبحث عنه في الأساس.
ما هي نوعية المعرفة التي تنتج في هذه الحالة؟ الوصول إلى المعرفة يصبح مسألة سهلة، وكأي شيء يتصف بالسهولة في تحصيله، فإن تبديده يكون بنفس السهولة، وبالتالي، لا يتوقع أن تفرز عملية القراءة الإلكترونية عن معرفة معمقة، وإن كانت ببساطة يمكن أن تزود الإنسان بمعرفة واسعة.
المعلومات لا تصنع علما أو معرفة
التقدم لا يمكن أن يبنى على أساس المعرفة الواسعة، أو حتى الموسوعية، ولا يمكن أن يعتبر أي شخص عالما لأنه يحفظ موسوعة بأكملها، فهو بذلك شخص مثقف، وحتى هذا يعتبر موضوعا لنقاش مطول، فالعالم هو من يمتلك دراية عميقة بتفاصيل أحد فروع المعرفة، وليس بالقدرة على الوصول إلى معلومات كثيرة، مهما كانت مترابطة، فالمعلومات لا تصنع علما أو معرفة، صحيح أنها تمتلك قيمة كبيرة وأن هذه القيمة يمكن أن تتحول إلى شكل اقتصادي أو مالي، ولكنها ليست أساسا لتقدم المجتمع، فببساطة يلجأ الجيل الجديد إلى موقع جوجل أو الموسوعة الإلكترونية الويكيبيديا للحصول على أي معرفة، ولأنه يتقين من أن هذه الموسوعة لن تغلق غدا، ومن سهولة العودة إلى هذه المعلومة في أي وقت، فهو لا يعتبرها شيئا ثمينا، ولا يحاول أن يستوعبها بصورة جيدة، وتبقى فكرته تجاهها مشوشة، بينما من يسعى إلى المعلومة من الكتب ويتحمل بصبر الاستمرار في قراءة عشرات الصفحات التي تمهد للمعلومة، كما يمكن أن يحمل على ثيابه ذرات الغبار والرطوبة التي تسكن الكتب على رفوف المكتبات، هو الشخص الذي يمكن أن يحتضن المعلومة وأن يضعها في عقله بصورة تراكمية، فهو ليس مستعدا للتفريط في هذه المعلومة بسهولة، لأن استعادتها ستتطلب جهودا ذهنية وبدنية كبيرة.
دعوة للتفكير في تقنيات القراءة
القضية لا تعبر عن تحيز للطباعة، ولا الوقوف ضد مسار التطور في الوسائط الإلكترونية، فذلك يمكن أن يوصف بفعل يتسم بالأنانية تجاه الطبيعة التي تستنزف بصورة متسارعة لتوفير الورق، والتخلص من الآثار السلبية للأحبار، والنشر الإلكتروني يمكن أن يحل جانبا كبيرا من ذلك، ولكن القضية تحمل دعوة للتفكير مليا في تقنيات القراءة والتلقي، سواء من الكتاب أو الكمبيوتر، وضرورة ترتيب الأفكار والوقت للاستفادة من القراءة في تنمية المعرفة بدلا من الاستسلام للمعرفة وفق الشروط الجديدة، وهي شروط شبكية، تشبه شبكة العنكبوت التي يمكن أن تتكاثف وتتشابك حتى تستتر وراءها المعرفة الحقيقية تحت وطأة الاستسلام للكسل، والركون إلى معرفة إلكترونية تبدو واسعة مثل البحر، ولكنها في الوقت نفسه ضحلة مثل مستنقع.
الراي
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو