السبت 2024-12-14 14:29 م

.. عَلّم بالقلم!

06:35 ص

.. لأسباب بعضها أناني سعدت بقراءة «العرب اليوم» في عودتها إلى الساحة الصحفية بكل هذه الرشاقة.. فقد كنت أول رئيس تحرير لها وعدلت قبل صدور العدد الأول!

نحن نعرف حجم الصعوبات في صحفنا الوطنية، لكن صدقوني ان مشكلها الحقيقي هو مشكل إداري بالدرجة الأولى: كلفة انتاج العدد، الإعلان، التوزيع، الجهاز البشري... فقد كنت -وما زلت- استغرب هذه الأعداد الكبيرة التي تعمل في صحفنا.. خاصة بعد زيارة مكاتب صحف كبيرة عربية في لندن!
لقد عملت ثلاث سنوات بجهد غير عادي في «الدستور» بعد أن استقلت من العمل الحكومي، وأصبحت شريكاً صغيراً في الصحيفة وتسلمت المسؤولية الإدارية، ورغم أن الصحافة وقتها كانت محدودة بصحيفتين، وكانت الصحيفة تغلق بمكالمة هاتفية -.. مكالمة جرت معي - إلا أن التحدي الذي كان يواجهه العامل في احدى الصحيفتين، كان بحجم خرم الإبرة، فقد كنا نزور «في البلد» بائعي الصحف، ونشرب شاياً على الرصيف.. ونعقد صداقات ونضع في جيب العزيز الغالي خمسة دنانير.. «لتوجيه» الجريدة، ونركض إلى إربد لأن الموزع أخبر القراء أن الصحيفة لم تصدر اليوم، وتتكوّم آلاف النسخ لتعود «مرتجعات»!
حين سمعت أن ديون «الرأي» الإعلانية المشكوك في تحصيلها بلغت الملايين، تذكرت التحالف الذي أقمناه مع «الرأي» وقتها لفرض «المكتب الموحد» على سوق إعلانية تعيسة، يفسدها «حملة الشنتات» الذين لا مكاتب لهم، ولا رأسمال ويقتطعون ربع قيمة الإعلان.. ويعيدون أكثرها إلى المعلن ذاته، هكذا دون رقيب أو حسيب. وقد أرسى «المكتب الموحّد» الذي كان بعبعاً تقاليد إعلانية محترمة، أعطت للمهنيين الجادين فرص التطور: مكاتب، ومصممين، وخطاطين.. ودفع المتوجب في منتصف كل شهر عن الشهر الفائت.. وإلا فإعلانه في الصحيفتين يصبح.. غير مقبول!
لماذا دخلنا في التجارب الماضية، بعد أن أصبحت موجودات صحيفة واحدة يتجاوز السبعين مليوناً؟
لأننا نعاني، وكأن هذه الصروح التي بناها الفقر والكدح، أصبحت مع الشركة المساهمة العامة.. بلا أهل! وأصبحت مع أصحابها الجدد سلماً للوصول إلى العلى!
لم أفهم لماذا دفع ناشر «العرب اليوم» -وأنا لا أعرفه شخصياً- مبلغاً كبيراً، وبالملايين، ثمناً لصحيفة بلا مكاتب وبلا مطبعة مع أن إنشاء صحيفة جديدة لا يكلف كل هذا المال، إذا اكتفى بمكاتب مستأجرة، والطباعة في المطابع التجارية؟!
.. ربما لأن للصحافة ألقها الاجتماعي والفكري والسياسي، وهذا صحيح إذا كانت الصحيفة مستقرة وناجحة في السوق. فقد كان غسان التويني يستقبل أصدقاءه في مكاتب «النهار»، ولم يزعجه أحد بقضايا يحلها «الشباب». وقد كنا نلاحظ.. راكان المجالي وأنا وزملاء أعزاء في زيارتنا لـ»النهار» حجم التعصب للتويني رحمه الله، فقد رفع الرئيس سليمان فرنجية شعار «وطني على حق»، فكان الشعار في كل مكتب: غسان دائماً على حق!
نتمنى لـ«العرب اليوم» كل النجاح الذي تستحقه في حلتها الجديدة، فبعد توقفها شعرنا بفقد عزيز، خاصة وأن الاعتصامات طالت الصحيفتين الأقدم. وسبحان من عَلّم بالقلم عَلّم الإنسان ما لم يعلم!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة