الجمعة 2024-12-13 14:59 م

على أبواب النكبة!

05:21 م


-1-

.. وللرحيل في ذاكرة الفتى حكاية، فهو إن ينسى لا يمكن أن ينسى ذلك المشهد الذي روته الوالدة، عن الأبن الثاني الذي رأى النور في الأيام الأولى لقيام الخيمة التي كانت منتصبة ربما مكان هذه الغرفة ذات السقف الزينكو، يتذكر الفتى الوالدة وهي تصف ذلك المشهد المبلل بالدمع:


كانت الخيمة تهتز كأنها قطعة قماش منشورة على حبل غسيل، والمطر يضربها من كل جانب، وصوت الفتى الرضيع يشق عنان السماء بقوة، منذ جاء إلى الدنيا وهو يبكي، كنت أرضعه بما تيسر من حليب، لم يكن ثمة شيء في الخيمة ليدر عليه، خبز قليل إن وُجد، كنت نفساء والنفساء تحتاج إلى أكل، ولكن من أين؟ تلك الليلة بكى الرضيع حتى تعب، تسللت إليه حيث استقر في السرير الحديدي البدائي المتحرك، حينما اقتربت منه مد يده بحركة مخيفة إلى صدري، ألقمته الثدي الفارغ، لم يحاول حتى أن يرضع، فحدثت نفسي: لعله نام، حمدت الله،

جاء صوت الوالد من الطرف الآخر من الخيمة:

- كِنُّه نام؟ قلت: ك

- كنه!

انسحبت كي أنام أنا الأخرى، وفي الصباح تفقدت الرضيع، كان مُثلجا، حسبت لوهله أن البرد نال منه، ولكن بصره كان شاخصا، ناديت على أبيكم:

- تعال شوف الولد مالُهْ!

- حينما جاء أبونا، نطت من عينه دمعة صامتة، ثم قال:

- الله بِعَوّض عليك يا امرأة!

لم أفهم للوهلة الأولى:

- شو يعني!

ولكن سرعان ما أدركت أن الفتى لم يكن نائما، كان نائما بعمق أبدي، لقد مات من .. الجوع!



-2-

.. وبالنسبة لأم الفتى، فلا يذكر الفتى أنها دخلت مستشفى، فقد تمت معظم ولاداتها في البيت أو.. المزرعة!!

نعم!

فقد شهد الفتى إحدى هذه الولادات، حيث قضت الأم يومها في مساعدة زوجها في جني الخضار، وفي نهاية النهار، وضعت مولودتها بمعونة العاملات في المزارع المجاورة.. !

ولا يذكر الفتى ماذا كان مصير المولودة أعاشت أم كانت من ضمن الثلاثة عشر الراحلين!!

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة