السبت 2024-12-14 21:50 م

عن التراب في الكرك

08:46 ص

قبل أيام , أقيم في الكرك حفل تأبين للنائب إعطيوي المجالي ....الحضور كان حاشدا وقد تجاوز الـ (3000) مواطن ...والقضية لم تكن مرتبطة بتأبين نائب بقدر ما كانت مرتبطة , بحقيقة الكرك التي لا تقبل ..الشك أو القسمة ...أنا لست منحازا لجغرافيا ...ولكني مستاء من أن الدولة لم تلتقط حالات في الجنوب تؤسس عليها في حركتها ...

في الربة , وعلى مقربة من ضريح حابس المجالي أقيم حفل التأبين ...وكلمة أهالي الربة ألقاها النائب عبدالله الزريقات ...سأقف عند عشيرة الزريقات قليلا , ففي مناسبات التأبين والعزاء ..يضع المجالي جملة:- (المجالي وأبناء عمومتهم الزريقات) ..في الجنوب وحده ينصهر الدم المسيحي والمسلم ...ويصبح القلب واحدا..وعريف الحفل , كان من الخليل ...وشريك الراحل في الحياة والعمل , من فلسطين ...في النهاية , من قام بالتأبين ..هو النسيج المشترك في الكرك ..ولم تقم عائلة الفقيد أو أهله بذلك ...
وحين عرض فيلم عن الراحل , أول مشهد ظهر فيه هو جرس الكنيسة ...وأول شيء ظهر هو علم فلسطين , وصوره حين كان عضوا فاعلا في الثورة الفلسطينية ..
أنا لا أنقل المشهد بدافع إنحيازي للجغرافيا التي أنتمي إليها , ولكني أنقل المشهد بعين صحفي كان يراقب حدثا مهما ...
السؤال الذي أود طرحه , لماذا تنصهر الناس في الجنوب في بوتقة الوجع وعشق البلد والتعايش ..بالمقابل ما زال مجتمع النخب في عمان غارقا بنهش بعضه وبصراعاته , وببحث مستقبل الأردن ....؟ لماذا تركز الدولة في خطابتها على التعايش , ونبذ قضايا التعصب ...بالمقابل حالة التعايش في الجنوب قائمة وراسخة ولا تحتاج لدعوات من أحد ؟ ...لماذا دائما نعلق شماعة الوحدة الوطنية والخوف على البلد ...حين تندلع مباراة وتطلق فيها شعارات وهتافات حادة ...بالمقابل في الكرك لا يتم تفضيل لون شماغ على اخر , ولا يسأل وجه عن منبته ...وكأن الناس هناك ..تشبه ثوبا تمت حياكته بخيوط متداخلة , ولا غنى أو تفضيل لخيط على اخر.
والسؤال الاخر ..لماذا هي الناس هناك شركاء في الغنم والغرم ...ولا فرق في الدين أو الأصل ....بالمقابل يقسم الأعلام الناس هنا , ويفرق بين لون العين والأخرى .
لم يكن تأبين إعطيوي المجالي , مناسبة للحزن ..ولكنه كان مناسبة لفرد خارطة الأردن الحقيقية ..وقلوب الناس وأوردتهم , كان مناسبة ...كي يعرف الكل أن الفقر ينتج حياة ...وأن التاريخ المزروع في وجوه الناس , هو إرث عظيم إستطاعوا أن يأسسوا عليه مزيدا من الصبر والألق ...
الربة كانت أول أمس حكاية , للوطن بكل تفاصيله ...بكل جزئياته ..بكل دفقة دم في شرايينه ....وكانت تأكيدا , على حب هذا التراب ...فهو في النهاية مستقرنا الأخير ..هو من ذات التكوين ,من نفس الرائحة ..وله نفس الطعم ..فجسد الفلسطيني وجسد المسيحي وجسد المسلم ...يحتضنه التراب هناك , ولا يفرق ..بين أحد ...حتى تراب الكرك فيه درس وألف أغنية .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة