تتراجع القيمة الإخبارية لأحداث العراق على الرغم من أن دورة القتل والدماء لا تتوقف، والتي تتجاوز على الارض خطورة ما يحدث في سورية. وبالطبع تتجاوز الأزمة في أوكرانيا وفي جزيرة القرم؛ فمعدل القتل يتجاوز 35 ضحية يوميا، حتى أصبحت أخبار القتل الجماعي على الهوية الطائفية أشبه بأخبار الحرب العراقية الإيرانية قبل أكثر من عقدين ونصف العقد التي تحولت آنذاك إلى مجرد قفلة لنشرة الأخبار، أي لا قيمة لها في دورة حياة الأخبار، فثمة تطبيع واعتياد على أخبار الموت القادمة من تلك البلاد.
ثمة استنزاف هائل في حروب الطوائف الجديدة لم تشهده الكتلة العربية الإسلامية في المشرق تحديدا منذ أكثر من ستة قرون، بينما ثمة تطبيع عميق مع القتل والموت اليومي المجاني وغير المجاني. لا توجد مؤامرة، لكن ثمة سياسة ومصالح تدير هذا القتل، فلقد انتهى العهد الذي كان فيه رجال الدين المتعصبون هم الذين يحددون موقف الغرب من الشرق العربي والإسلام، فمنذ القرن السابع عشر الميلادي بدأت تتغير الصورة شيئاً فشيئاً حينما بدأ الغرب اكتشاف بعض الآداب العربية التي أسهمت في تكوين صورة شبه خيالية عن الإسلام ساهم فيها الرحالة والأنثروبولوجيون والمستشرقون في التعريف بالشعوب الإسلامية وتاريخها ومواقعها وثرواتها، ما قاد حروب الاستعمار في ذروتها وفي التحالف بين الرأسمالية الصاعدة وطموح السياسيين. اليوم ثمة سياسة وسياسيون يديرون تلك المصالح ويرد عليهم رجال دين وتنظيمات دينية يديرون القتل على جبهتين.
هذا الفائض الطائفي الهائل من الصراعات والتوترات والمشاعر الغاضبة هو الذي يدير مرحلة ما بعد الربيع العربي بكل وضوح كما هو حاصل في الاصطفاف الطائفي في الحرب السورية وقبل ذلك في الاصطفاف حول البحرين، فبدل ان تقدم الثورات والتحولات الشعبية العربية نضالات مدنية ديمقراطية تبني دولا لكل الناس، تم اختطاف أول قوة للتغيير فجرتها المجتمعات العربية منذ عهد الأستقلال، بل وظفت في سياق خارج التاريخ والعصر. والخطورة في ذلك القدرة العالية التي يوظف فيها هذا الصراع الطائفي اجتماعيا، والقدرة التي يتمتع بها على الحشد والتعبئة.
ظهرت الموجة الأولى من حروب الطوائف المعاصرة بعد الثورة الإيرانية ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وميلاد حزب الله. الموجة الثانية برزت في الانقسام الحاد في النظام الإقليمي منذ نهاية التسعينيات ومع ظهور محور الاعتدال ومحور الممانعة وصعود دور إيران في المجال العربي.
الموجة الثالثة الراهنة ترتبط بتحولات الربيع العربي وما بعده، حيث تبدو قوة فائض الطائفية من التصاقها بالقوى الفاعلة في هذه المرحلة وهي المجتمعات. ومن هنا تبدو أزمة حزب الله الراهنة، فعلى الرغم من أن الحزب نأى بنفسه عن التعبيرات الطائفية لفترات طويلة، وأضفى على خطابه لغة النضال الجامعة، وساعدته على ذلك الإنجازات التي حققها في تحرير جنوب لبنان وحروب المقاومة، إلا أن الحزب الذي يفترض أنه تنظيم شعبي، تحول عمليا إلى قوة إيران الضاربة في المشرق العربي، ووجد نفسه في موقف لا يحسد عليه في الاصطفاف الذي قاده إلى انكشاف غير مسبوق في الأزمة والاقتتال الداخلي في سورية. الطائفية الجديدة هي الأداة التي تدير الصراع على مستقبل المنطقة، تدار بالسياسة من الخارج وتقابل بخواء سياسي في الداخل، فكل المؤشرات تدل على أن فائض الطائفية هو الذي سيحسم الصراع وشكل خرائط المنطقة وبأسرع مما نتوقع.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو