السبت 2024-12-14 23:10 م

قطر .. وعهد جديد

05:42 م

إذا كان في السياسة مجاملة، فيجب أن لا تقع مصائر الشعوب تحت طائلة الرغبات والأمنيات التي تفرضها هذه المجاملة، ويجب أن تبنى مواقف الدول وفقًا لمطالب وأولويات شعوبها وحماية مستقبلها وتقدير التضحيات التي تقدمها.

الوطنية التي تصب في فلك القومية، فلسفة عميقة ورؤى شاملة، لا تحفظ فقط حاضر الدولة والأمة فلكها الأكبر، بل تساهم في تركيبتها الشمولية التي تضعنا عناصر إيجابية في فلك الأمة ومفهومها ذات الرسالة الخالدة، فقطَر ستعود لمحور الارتكاز العربي، وهذا هو موقعها بعدما جنحها الغرب، فنحن نريد لقطر دور طلائعي ايجابي في محيطها العربي.
لا شك أن سياسة قطَر الراحلة لم تكن على انسجام مع منظومة الأمة العربية، خاصة مجلس التعاون الخليجي. السعودية والبحرين وسورية ومصر وتونس والجزائر، لا شك أن هذه الدول لا تعجبهم سياسة قطَر ودورها في المنطقة، خاصة تبنيها عوامل هدم الأنظمة المعتدلة التي ربّتها الولايات المتحدة وجهّزتها لدعم الاستراتيجية الأمريكية ، فهذه الإدارة وجدت أن السِّحر انقلب على السّاحر، وأن النتائج ستسيء لدورها ومنافعها في المنطقة أكثر من أن تنفع. فالغدارة الأمريكية وجدت نفسها عاجزة عن تقديم العون لنظام مبارك الحليف الأكبر كونها واجهت ثورة شعبية ضد الفساد والطغيان والنهب، فحاولت ركوب الموجة ودعم الإخوان الذين وعدوا الناس بالانفراج والعدالة والغصلاح والخروج من الفقر، بالضبط كما حصل مع حماس عندما اختارها الفلسطينيون رفضا لتصرفات زمرة من القيادات المرفوضة في فتح والعديد من الفصائل الفلسطينية الوطنية والقومية واليسارية.
أمريكا أيقنت أن أسلوبها في كسب الشارع العام العربي والإسلامي من خلال ثورات تنادي بمحاربة الطغيان والفساد قد يكون مدخلا لشعبية أمريكا، فجندت لها قطَر التي تملك المقومات - قوتها الإعلامية التي تتجاوز الحدود ، وطغيان المال الذي يذلل كل المواقف - لكنها وقعت في فخ عودة الإسلام المتشدد وظهور توجه إسلامي عالمي نحو إقامة دولة إسلامية وسط مناخ عربي وإسلامي شعبي ملائم صنعه الظلم والازدواجية و الفقر والحرمان وغياب العدالة وعدم المساواة، فكانت الأزمة السورية مثالا واضحا على تكاتف الإسلاميين المتشددين، خاصة أن مصالحها تلتقي مع اقطار الهلال الشيعي وتطلعات حركة السلفيين الوهابيين في السعودية والحوثيين في اليمن والشيعة في البحرين وقطر وحزب الله في لبنان .
اقتراح برغبة امريكيه جاء منذ الستة اشهر الماضية تقريبا بضرورة تغيير الحكم في قطَر ، فقد ذكرت واشنطن بوست أن الإدارة الأمريكية قلقة من التحولات الدراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط ووصولها حالة الانفجار، وبعدها بأسبوع ذكرت النيورك تايمز أن الزعماء العرب اشتكوا من سياسة التحريض التي تمارسها بعض الدول العربية التي تحتمي بغطاء أمريكي .
الإسرائيليون كذلك قلقون جدا مما آلت اليه الأوضاع في سورية، ويتمنون نار الأسد ولا جنة الغخوان والمتشددين الذين لا يؤمنون إلا بالخلاص من الصهيونية والقضاء على دولة إسرائيل، ويعتبرون أن الأمة العربية والإسلامية ما زالت تُخدع بقضية السلام الغذعاني الذي يُنفّذ من خلال زعماء يعتبرهم الإسلاميون ادوات بيد البيت الأبيض .
الأمريكان أرادوا لحمد بن خليفة نهاية أفضل بكثير من نهاية والده، فاقترحوا عليه التنازل لولده الذي تربطه بالسعودية وفرنسا والولايات المتحدة علاقات طيبة للغاية، وبعقلية أقرب للجمع والبقاء ضمن إطار مجلس التعاون. والأبعد شيئا ما عن فكر التقارب مع إسرائيل و إيران رغم ميوله للإخوان ونظرته لتقويتهم وعدم إدخال المسلمين في صراعات طائفية قد تقوض العالم الإسلامي وتدخله بقتال الفتنة .
الأردن لا ضغينة عنده لقطَر، وأعتقد أيضا أن قطَر الشعب والإدارة والفكر والمثقفين فيها يدركون حجم التحدي الذي يواجه الأردن لدوره العربي والاقليمي وفلسفته الجامعة القومية والدينية ، كما وصفه الاستاذ الدكتور 'المسفر' وأن خيوط التشابك مع قطَر لا يمكن أن تكون إلا في أعز قوتها ومرادها، خاصة أن الرسالة القومية والدينية رسالة مشتركة ، وجب على قطَر التعبير عنها باستمرار والوقوف مع الأردن لتمكينه من استمرار أداء الرسالة ومواجهة التحديات التي في جزئها الأكبر الدفاع عن مصالح الأمة بما فيها دول الخليج .
زيارة الملك للأمير الجديد سلوك ملكي بامتياز ، لا يخرج إلا من ملوك هدفهم الأمة ويضعون الخلاف خلفهم وينظرون لمستقبل الأمة الحالم ، فهذه اللفتة لا بد ان تكون مقدرة جدا عند اصحاب المعرفة والسياسة والقومية .
فهل سيقيل الأمير تميم السياسة القديمة، ويفتح صفحة تقارب عربي جديدة ؟.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة