الأربعاء 2024-12-11 14:47 م

قميص عثمان!

07:39 ص

ينسّق الأردن مع الأطراف العربية والإسلامية ردود الفعل الديبلوماسية والسياسية تجاه موضوع الأقصى، عشية قمة اسطنبول لمؤتمر التعاون الإسلامي، وتحضيراً لردّ فعل عربي أكثر صلابة، بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب، من أجل زيادة الضغط على الإدارة الأميركية، التي تفاجأت – غالباً- من حجم الرفض والغضب من قراراها حتى أوروبياً!



كل ذلك قد يضيع هباءً منثوراً إن لم نوظّفه بصورة صحيحة وعقلانية، بما يمكن تسويقه دولياً وإعلامياً، طالما أنّ الخيارات الأردنية والعربية الأخرى، ضمن هذه المعطيات والمدخلات الراهنة محدودة، فهنالك اليوم حالة من التشظي العربي غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، وربما هي الحالة التي شجّعت الرئيس دونالد ترامب على اتخاذ قراره بشأن القدس.


على صعيد الشارع العربي وردود الفعل في السوشال ميديا أثبتت القدس أنّها العنوان والرمز والقضية بالنسبة لمليارات العرب والمسلمين، فأحيت الشارع العربي بعد موات، وقامت شعوب من تحت أنقاض الأحياء والمدن المحطمة في سورية واليمن والدول الأخرى، ومن بين براثن الأزمات الاقتصادية الخانقة والفقر والبطالة والمعاناة اليومية لتنتفض جميعاً تحت عنوان واحد هو القدس والأقصى.


في المقابل، وربما أكثر ما يزعج في الموضوع، أنّ لعبة المزايدات والاستخفاف بعقول الناس، والتلاعب بالعواطف والخطابات الشعبوية الرنانة في توظيف القدس والقضية الفلسطينية عاد خلال الأيام الماضية إلى الواجهة، سواء في اجتماع وزراء الخارجية العرب، أو في مواقف سياسية وشعبوية، وكأنّ الناس لم تتعلّم من النار التي كويت بها في العقود الماضية!


قيس الخزعلي، زعيم الحشد الشعبي الطائفي العراقي، زار الحدود اللبنانية مؤخراً، ما أحدث ردود فعل كبيرة في لبنان، والرجل عاد ليرفع 'راية القدس'، مرّة أخرى، كما هي حال الخطاب الإيراني الذي يزاود على الجميع في هذا الموضوع، بينما أحد أكبر أسباب ما وصلنا إليه في المنطقة اليوم، والقضية الفلسطينية، هو إجهاض الربيع العربي والثورات السلمية، وهي العملية التي شاركت فيها إيران بطريقتها بالإضافة إلى النظام الرسمي العربي.


جميل أن تكون القدس شعاراً للأجيال والجميع، لكن أسوأ شيء أن تبقى 'اسماً حركياً' للمزايدات والتلاعب والتوظيف من أجل مصالح أخرى، وأن تكون لتصفية الحسابات والضرب تحت الحزام، وهروب من ملفات إلى أخرى، ولضرب حق الشعوب العربية قاطبة، في العراق وسورية واليمن وليبيا، في الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير، أو أن تكون غطاءً لأجندة سياسية مسكونة بالنزعة الطائفية المدمّرة، فمن يريد تحرير القدس لا يخلق حروباً أهلية مفتوحة في المنطقة العربية بأسرها.


لا أزعم أنّ إيران غير معنية بالقضية الفلسطينية ولا بموضوع القدس، أو أنّها مجرّد خدعة، وجزء من مؤامرة كونية، كما يهلوس بعض السياسيين العرب! أبداً، لكن التعبير الدقيق هو أنّ إيران، كما هي حال أنظمة رسمية عربية عديدة، تسعى إلى توظيف المشاعر تجاه القضية الفلسطينية والقدس من أجل أهداف أخرى.


والحال أنّ فيلق القدس نفسه، الذي يقوده قاسم سليماني، يتحرك من العراق إلى سورية، ويعمل في ساحات عربية عديدة، من أجل مصالح إيران القومية أو حسابات طائفية، فمثل هذه المنهجية لا يمكن أن تكون في خدمة القضية الفلسطينية ولا موضوع القدس، على المدى البعيد، لأنّها تعزز من حالة التشرذم، وتضعف الحالة العربية إقليمياً ووطنياً.


إقليمياً إذا كان هنالك شيء يمكن فعله، أفضل من المزاودات التاريخية المعروفة، فهو حوار عقلاني حضاري عربي- تركي- إيراني لترسيم الأرض المشتركة، ولبناء منطق جديد في المستقبل، وبغير ذلك ستبقى القضية الفلسطينية والقدس أشبه بقميص عثمان!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة