السبت 2024-12-14 23:40 م

لا تخذلوا الشهداء

02:24 م

بعد إعلان الملك عبدالله الثاني عن تأسيس صندوق لدعم أسر شهداء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وتخصيص خمسة ملايين دينار من موازنة الديوان الملكي لهذا الغرض، توقعنا أن حساب الصندوق من التبرعات والدعم سيتضاعف عدة مرات في غضون أيام.

لكنّ شعورا بالخيبة أصابنا جميعا؛ فباستثناء مبادرة رئيس وأعضاء مجلس الأعيان بالتبرع براتب شهر للصندوق، لم نشهد أي مبادرة من طرف الفعاليات الاقتصادية ورجال الأعمال الأردنيين.
أستطيع، وبسهولة شديدة، أن أضع على الفور قائمة بأسماء مئة بنك وشركة ورجل أعمال، لديهم من الثروات ما يكفي للتبرع بعشرين مليون دينار على الأقل لحساب الصندوق.
لا نميل إلى منطق البعض بالطعن في حق الأغنياء بالتمتع بثرواتهم؛ قصورا مشيدة وحياة رغيدة ورحلات حول العالم، فمن جمع ثروة بالجد والمثابرة من حقه أن يتمتع بها. لكن المجتمعات المعاصرة طوّرت مقاربات 'إنسانية' عُرفت لاحقا باسم المسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتق الأغنياء لمساعدة مجتمعاتهم، وذلك بتخصيص نسبة من أرباح أعمالهم لمشاريع تنموية وخدمية تنهض بحياة الفقراء والفئات الأشد حاجة للرعاية، وكذلك الوقوف مع بلادهم وشعبهم في ظروف استثنائية كالتي نمرّ فيها حاليا.
ورغم تواضع مساهمة القطاع الخاص العربي في تحمل المسؤولية الاجتماعية، مقارنة مع الدول المتقدمة، إلا أن القطاع الخاص في الأردن قدم نماذج مشرفة في هذا المضمار. وتكفي هنا الإشارة إلى الصندوق الذي أسسته البنوك الأردنية باسم الشهيد معاذ الكساسبة، لتمويل منح دراسية في الجامعات الأردنية لما يزيد على عشرين منحة لطلبة من أبناء المحافظات حصرا.
دعم صندوق الشهداء يتعدى مفهوم المسؤولية الاجتماعية؛ فهو أقرب ما يكون إلى الواجب الوطني المفروض على المقتدرين منا.
لقد وقفنا جميعا بخشوع أمام تضحيات الجنود البواسل على الحدود، وأبناء الدرك والأمن العام في قلعة الكرك، وقريفلا والقطرانة. من ينسى الشهيد البطل سائد المعايطة، ومن منا لا يتذكر الضابط المقدام الشهيد راشد الزيود؟ ولا يمكننا أن ننسى جنودا في مقتبل العمر سقطوا برصاص الغدر وهم يحرسون مركزا أمنيا في البقعة.
وإلى جانب هؤلاء، شهداء الواجب من أفراد وضباط جهاز مكافحة المخدرات، الذين يخوضون معركة يومية نيابة عنا جميعا، لمحاربة هذه الآفة وتجارها.
هؤلاء وغيرهم قضوا دفاعا عن حقنا في الحياة، وتركوا خلفهم عائلات وأطفالا في أمسّ الحاجة إلى الرعاية. ومن واجبنا جميعا أن نفي الشهداء حقهم في توفير أفضل مستوى حياة لعائلاتهم، حتى لا يشعر أطفالهم حين يكبرون أن تضحيات الآباء لم تجد ما تستحق من تقدير المجتمع.
ودعم صندوق أسر الشهداء رسالة مهمة لإخوتنا من أبناء الجيش العربي والأجهزة الأمنية؛ فهم جميعا مشاريع شهداء، يقتضي الواجب أن نشعرهم جميعا بأن عائلاتهم وأطفالهم سيبقون مرفوعي الرأس، ويعيشون حياتهم بكرامة وكبرياء إذا ما كتبت الشهادة لأي منهم.
لهذا كله، نرجوكم أن لا تخذلوا الشهداء الأحياء منهم والأموات.
الصندوق لن يكون مؤسسة رعاية اجتماعية، بل وسيلة تساعد أسر الشهداء على إقامة مشاريع إنتاجية تعيلهم وتعينهم على تحمل أعباء الحياة الصعبة.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة