الخميس 2024-12-12 02:28 ص

لا سُنَّة ولا شيعة

06:59 م

* يتعارك المسلمون على الدولة مع أنهم يعرفون أنها لم تكن من أركان الإسلام الخمسة

بات المسرح مهيئًا للحرب الدينية بين السُّنة والشيعة، وهذا عمل مُحكم أعدّت له دوائر ومراكز أبحاث عابرة للقارات منذ سنوات، إلى أن استطاعت ان تصل إلى أهدافها الخبيثة في جرّنا عن السراط المستقيم التي تعتز به 'خير أمة اخرجت للناس'.

نعرف أن الاستبداد في التاريخ العربي ولّد أحقادًا وحروبًا ومذابح وجروحًا لم تندمل، لكن لِمَ نصحو اليوم على صهيل الخيل وصليل السيوف وغبار المعارك ؟ مَن جرّنا إلى تلك المغامرة في منطقة تكاد تنفجر تحت وطأة الحقد الديني والطائفي الأعمى؟ لِمَ لَمْ يظهر مخزون هذا الحقد إلا اليوم؟
فجأة نكتشف أن تاريخنا مزور ومطرز بالأكاذيب والأحقاد، فجأة تنهار صيغ التعايش بين العرب أنفسهم وبين المسلمين أنفسهم، والعالم يشمت فينا، لم نتّعظ من تجارب الغير، فأوروبا المختلفة عرقيًا ودينيًا وحضاريًا تجاوزت كل حروبها وأحقادها وباتت اليوم تنام في اتحاد أوروبي يجول فيه مواطنوه بكل حفاوة وترحيب بعد أن سقطت المتاريس وأُلغيت الحدود.
ها هي الفؤوس والحراب تتطاير شررا وهي تُطل من الخنادق المتقابلة تبحث عن رؤوس 'أينعت وحان قطافها' بتحريض من عُلماء 'الامر بالمعروف والنهي عن المنكر' كُلٌ يُخوّن الآخر ويُوزّع تُهم العمالة والزندقة على خلفية قضية سياسية هي الأزمة السورية.
لم يُقصّر أحد بالآخر، لا النظام السوري استوعب التغييرات في الإقليم والعالم وأصر على رفض المطالب المُحقِّة للجماهير السورية الباحثة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبدورهم 'الثوار' لم يتعلموا من أخطاء الآخرين وحروبهم وثوراتهم وأصبح الطرفان يرتكبان المجازر ويغوصان بالدماء والأشلاء ويستعينان بالشيطان لقهر الآخر وإذلاله.
يحرص طرفا النزاع في سورية والعراق على إبعاد الصبغة الدينية والمذهبية للحرب، لكن مساجد الشيعة تُفَجَّر، والرد باليوم التالي على مساجد السُّنة، هل هذه هي أخلاق الإسلام ؟ يتعارك المسلمون على الدولة وشكلها ومضمونها مع أنهم يعرفون أنها لم تكن من أركان الإسلام الخمسة، بل من صُنعِهم كبشر.
فبدل أن يصنع العرب والمسلمون 'حداثتهم' وديمقراطيتهم واستقلالهم وصناعاتهم، نستيقظ على دعوات أهل الكهف لنجد أنفسنا في عالم من الماضي السحيق، وهذا ما يُجرى من لبنان إلى سورية إلى العراق إلى اليمن حتى وصل إلى الباكستان ودول شرق آسيا، حيث أفاق بُسطاء الناس على صحيات الحرب والانتقام، وتَحوّل العامل الديني من أداة لجمع المسلمين وتهذيبهم إلى أداة تفرقة، فتقدمت الهُوية المذهبية على الهُوية الوطنية الجامعة.
عمد بعض العرب من علماء الدين وأرباب السياسة والفضائيات إلى شحن بُسطاء الناس وتوجيه بوصلة 'جهادهم' إلى صدور إخوانهم في الدين والوطن ، فتبدّلت بوصلتنا من القدس وقتال العدو الصهيوني إلى إخوتنا وجيراننا، فنقطع علاقتنا مع أشقائنا وننسى أن أيدينا ممدودة لعدونا، وبيوتنا مفتوحة لسارق أرضنا ومدنّس مقدساتنا.
وخير مَن عبّر عن تلك الحالة هو النائب الأسبق المهندس ليث شبيلات إذ قال في تغريدة له على التويتر: ' طيلة قصف غزة خَنَس علماء السلاطين ولم يأذن لهم سادتهم في التلميح للجهاد ناهيك عن الدعوة له. اكتشفنا العدو الرافضي لنرضي حكّامنا واليهود حبايب، فلسطين تُهوّد ليل نهار وعلماء السوء لا يجرؤون على مواجهة الصهاينة العرب الذين يحكموننا والذين يسمحون بعبث إسرائيل. الجهاد بإذن أمريكا بس'.
يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ (المتنبي)

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة