السبت 2024-12-14 14:19 م

لجنود الأمن العام وحدهم ..

11:10 ص

منذ عامين...ما مر يوم على جهاز الأمن العام دون تعب أو قلق،...من حق البوريه المنصوبة على الرأس أن تستريح قليلا وأن لا تبلل بالعرق....من حق (سعود) الرقيب الأول صاحب الرقم العسكري (327759) أن يعود هذا المساء إلى الطفيلة..دون أن يبقى في السرية بدافع حالة الطوارئ التي أعلنت على خجل أو مضض أو قلق...أو طن.

من حق (علي) وهو سائق سيارة نجده، أن يأخذ إجازة مطولة كي يكمل بناء (السنسلة) حول الدار في (الخشافية)..جميع الاشقاء يعملون يوم الجمعة مع الوالد..إلا علي فقد أصبح يتخلف عنهم بدافع الواجب....وبدافع أن تعميما صدر من قائد الإقليم يقضي بمنع الإجازات..
من حق..محمود وهو وكيل في الإتصالات...ويكتب بعضا من النثر وله محاولات شعرية تستحق التوقف عندها من حقه أن يجلس ولو لساعتين فقط...على باب الثكنة..ويتذكر (ماحص) وأيام الصبا والجدائل هناك ويكتب قصيدة من النثر..عن بنت مرت من الشارع..حين كان في الصف الثالث الإعدادي واثارت الحب في قلبه...من حقه أن ينظم قصيدة على البحر الوافر في عيونها حتى ولو شابها بعض الكسور في الوزن...من حقه ذلك...
ومن حق (صياح)..وهو ملازم ثان جاءه كتاب الترفيع قبل (3) أيام من حقه..أن يعود للشونة الشمالية هذا المساء...أخبره أحد أبناء العمومة أن أمه....وبحكم إصابتها بالسكري تعاني من تقرحات في القدمين..وتعاني من عمر داهمها على غفلة من الأيام...وصياح أجمل لحظات حياته هي التي يقضيها على عتبة دار الوالدة...يفرك لها القدمين...ويحضر من عمان خلطة من الأعشاب نصحه بها العطار وأخبره أنها تشفي مريض السكري...صياح يذوب حنانا حين يقوم بخدمة والدته حين يضع اللقمة في فمها..حين يحملها بين يديه إلى عتبة الدار...وهي ما سجدت يوما إلا ورفعت كفها كي تدعو له...من حق صياح أن يعود إليها ولكن ظرف البلد لا يسمح...
ومن حق (سلامة)..وهو ما زال يحمل رتبة عريف...ويعمل في قوة المداهمة (سوات) من حقه أن...يذهب مع رفاق الصف إلى (وادي بن حماد) في الكرك...من حقهم أم يقيموا (حفلة شواء) من حقهم ان يسبحوا في ماء (العين) من حقهم أن يمارسوا صخب الشباب...ولكن سلامه في كل جمعة يتخلف عن رفاق الصف والحي...ويبقى في حالة (طوارئ) وتأتيه مكالمات من الاصدقاء يصفون له الجو والماء والشواء....ويتحسر قليلا وربما يتعب القلب..ولكنها مهمة أنيطت به، ورزق لا يقوى على تركه....
من حق (حسونة) وهو جندي (حاف) إلتحق بالخدمة منذ عامين فقط، من حقه أن يرى بنتا كان يعشقها من الصف السادس...وقد أخبرته شقيقته الكبرى بأن محاولات جس نبض صدرت منها لهذه الصبية حول حسونة..وهل تقبل به خطيبا وزوجا ؟...وقد تناهى لأسماع حمودة أن هذه البنت قد تحمست...وهو يريد العودة للدار، عل الوالد يقتنع بأن الفتى نضج بما يكفي ويحتاج لزوجة ودار وأحلام بسيطة لاتتعدى طفل..(يثاغي).... ينام على صدره العاري، لا تتعدى (مقلوبة) طبخت على عجل...لا تتعدى تلك الصبية التي كان يعشقها منذ الصف السادس وإعترافات..يدلي بها للزوجة التي كانت حلم الصبا واصبحت واقعا...عن لهفته عن شوقه لها حين تغادر المدرسة، عن المريول الاخضر الذي كان ينعش القلب....وعن الرسائل التي كتبها على عجل وتردد في إرسالها.
من حق أفراد الأمن العام أن يحلموا..أن يمارسوا حياتهم الطبيعية أن يعشقوا والعشق ليس حراما في عرف البندقية والوجوه السمر...من حقهم أن تكون حياتهم طبيعية وأن لايكون هناك قلق في الطريق بين الكتيبة والقرية....وأن لايكون هناك تعب وترقب وإنتظار...
لماذا يمنح الحق لحمزة منصور وزكي وهمام وسالم بأن يحققوا أحلامهم في المسيرات وتثوير الناس وإثارة القلق باسم الحرية...باسم محاربة الفساد باسم الحزب...ومصلحة الحزب باسم التغول على الدولة والشارع وأنماط الحياة...باسم الإسلام باسم الإصلاح...باسم مقررات مجلس الشورى وباسم تعليمات قيادة التنظيم من القاهرة..باسم الحرية أحيانا باسم الشهداء..باسم كل شيء يخضع للمنطق وباسم كل شيء لايخضع للمنطق يسمح لهم بأن يستبيحوا الشوارع وأن يجيروا مساحات الإعلام كلها للتباكي على البلد وحال البلد....
بالمقابل حرام على حسونة العشق...وحرام على صياح أن يفرك قدم أمه ويتوسل عند القدم رضاها فهي الأحب والأغلى والاعز.....وحرام على محمود أن يكتب على ورقة خواطر نثرية جميلة....
سيأتي يوم وتنحاز الشوارع كلها للعسكر والزنود السمر، سيأتي يوم وسنقرأ كل قصائد الشعر والخواطر التي كتبها محمود...سيأتي يوم وسنحمل الحجارة كلنا مع علي...ونحن جميعا يا صياح...سنفرك قدمي (الوالدة)....معك فالأم مقدسة محصنة وهي وطن نبيل.
هذا الوطن..ما أحب غير الجباه السمر والزنود السمر وما أحب غير البنادق..فسلامي لمحمود لصياح...لسلامة..لعلي...لكل القابضين على جمر الهوى لكل الصابرين على التعب لكل رتبة لكل رقم عسكري....ولكل جندي احب الله والوطن...ولست أملك سوى دمعي وحرفي فدمعي لكم وحرفي للأقدام التي تهز الأرض....للجنود حدهم.
فليكن الله مع (عيالنا)....

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة