السبت 2024-12-14 15:49 م

ليسوا أبناء ذوات ..

07:50 ص

الأردنيون؛ كلهم ذوات وأبناء ذوات حسب الدستور، ولا فرق بينهم سوى فيما يقدمون للوطن والناس، ولا يعني أن الذي حاز فرصة ليخدم الوطن بأنه أفضل من غيره الذي لم تتح له مثل هذه الفرصة، لكن الفرق يكمن في الكفاءة، والخبرة التي تعني أيضا قلة احتمال السقوط في الخطأ، نقول هذا بمناسبة قرار الحكومة تعيين بعض الأسماء في مجلس الاستثمار التابع لمؤسسة الضمان الاجتماعي، وهي التعيينات التي حازت اهتمام الناس، حيث تندر بعضهم على التعيينات باعتبارها تعبر عن توريث في المواقع القيادية، وقال آخرون بأنها تعيينات لا غبار عليها، ولا يحق لأحد الاعتراض بهذه الطريقة، فكفاءة الأشخاص تشهد لهم..



دعوني أقل روايتي في هذه القصة:
أعرف شخصيا اثنين من الأشخاص الذين تم تعيينهم، حيث عرفت الأول عام 1986 في معسكر سلاح مدرسة الهندسة، وفي ميدان التدريب على وجه التحديد، إذ كان المهندس سهل دودين آنذاك مكلفا عسكريا من دفعتي نفسها، وكان سهل قائد المراسم، وكان يساعده في قيادة المراسم المهندس مراد سالم الترك.. صدقوني حين أقول لكم إن سهل كان أيضا حصانا في الميدان، وأذكر موهبته التي كانت تحظى باهتمام جميع العسكر النظاميين وضباطهم، الذين كانوا يأتون إلى الميدان ليشاهدوا أداء سهل المميز في «البروفات»، وما زال الرجل كذلك، فهو مهندس ناجح تولى عدة مواقع في القطاع الخاص، وحقق فيها نتائج مشرفة، ولا يتسع المجال لذكرها.


وفي عام 1998 عرفت المهندس شادي المجالي، كان صديقي و»تهاوشت» معه بصراحة، حين كنت موظفا في شركة «آلو»، وتركت الشركة التي لم تستمر عاما واحدا بعد ذلك «السبب اني تركتها أكيد هههه»، شادي أيضا شخصية قيادية استثمارية ناجحة، تولى أكثر من موقع في القطاعين العام والخاص، وقدم فيهما جميلا، ومستواه كمستوى المهندس سهل في تحقيق النجاحات، وهو أيضا عسكري قديم عرف العسكرية والالتزام والأمانة من بيته ومن ميادين العسكر، ولا أعتقد بأن الشخصين «سهل وشادي» من الكفاءات التي تسعى إلى حيازة مواقع قيادية، فهما لهما تاريخهما العملي، الذي يجعلهما مطلبا لكل أصحاب الأعمال الكبيرة، وأجزم بأن لديهما عروضا للعمل في كبريات الشركات الدولية في الوطن العربي، لكنهما يزهدان في المواقع والمال كما عرفتهما..


لن أتحدث عن أخلاقهما، فهما لا يحتاجان مني أو من غيري لشهادة، لأن تاريخهما مع النزاهة والانجاز معروف، ولا أعتقد أن مرور أكثر من ربع قرن على نجاحاتهما المتواصلة يحتاج إلى شهادات، لكنني سأتحدث عن ظروف تعيينهما كما عرفتها:


لم يتقدما إلى أي موقع او يطلباه، لكن مؤسسة الضمان الاجتماعي اقترحت بعض الأسماء كأعضاء لمجالس ادارت تتبع لها، وكانت الأسماء الأربعة ترد إلى مجلس الوزراء، ليوقعها دولة الرئيس، ويكفيكم أن تعلموا حجم الالتزام والحيرة التي وقع فيها رئيس الحكومة بسبب هذه الأسماء، حيث رفضها 4 مرات قبل أن يوافق على عرضها للمجلس، وكانت أسباب الرفض هي التي يتحدث عنها الناس، فكلهم أبناء لمسؤولين سابقين، نشهد لهم جميعا بالنزاهة والأمانة، وفي كل مرة يرفض الرئيس الملقي الأسماء، فتعود اللجان إلى السير الذاتية لكل الأسماء المقترحة لملء مقاعد أعضاء مجلس الاستثمار التابع لمؤسسة الضمان الاجتماعي، لتعود الأسماء نفسها التي سبق للرئيس رفضها، فالأشخاص تميزوا عن غيرهم بتحصيلات لا تستطيع اللجان التغاضي عنها إن أرادت العدالة والنزاهة والأمانة.. مما جعل الرئيس الملقي يقبل أخيرا بعرضها على مجلس الوزراء، فاللجان هي المسؤولة عن قرارها والرئيس لا يحمل ضغينة أو أجندة ضد أحد حتى يرفضه للمرة الخامسة.


اتصلت هاتفيا بسهل دودين قبل أسبوع تقريبا، وقلت له : ان تعيينكم يحرج الحكومة، فماذا أنتم فاعلون للتخفيف عنها؟ قال سهل: لم اسع إلى موقع ولا يعقل أن نرفض العمل العام لمجرد أن والدنا رحمه الله كان مسؤولا، ولم أعلم أنه أصبح عيبا وفسادا أن لا يسمح لأبناء المسؤولين السابقين تولي مواقع عامة لتقديم خدمة عامة، وبلا مقابل مادي تقريبا، فأنت تعلم بأن لا مردود ماليا من هذه العضوية لمجلس الاستثمار، ولا يجوز أن نحرم المؤسسات العامة من خبرات يمكنها تقديم المميز والأفضل ربما، وفي النهاية نحن ننصاع لأوامر الحكومة ولا يمكننا ان نتوانى عن تقديم خدمة للدولة، فهذا موقف لن يكون محمودا في المستقبل لو فعلناه، انت تعرفني يا ابراهيم بأنني جندي في هذا الوطن ولا أتهرب من خدمته، وكذلك أقول عن الأشخاص الذين وردت أسماؤهم وأنت تعرف بعضهم.


الموقع الذي نتحدث عنه ليس موقعا قياديا بمعنى الكلمة، انما هو فني في مؤسسة عامة تدير أموال الأردنيين، وقيمته قد تكون معنوية، لكنها لا تمتاز بمردود مالي، وحتى قيمته المعنوية هي ضئيلة بالنسبة للمهندسين سهل دودين وشادي المجالي، فهما لا يحتاجان إلى سطر آخر في سيرتهما الذاتية العملية والمهنية، لأنهما سبق لهما الانجاز وحققا نجاحات معروفة، لكنه موقع يصبح ذا قيمة معنوية سلبية بالنسبة لهما لو رفضاه، فسوف نقول عندئذ: لا يريدان خدمة البلاد لأن لا مقابل ماليا ولا أمجاد يسطرانها، وسنعاملهما كمن يهرب من جبهة قتال.
علما بأنني قلت لسهل دودين :أقترح أن تستقيلا وتجنبا الحكومة الاحراج، لكنني أدرك الآن أن استقالتهما ستكون هروبا يسجل في سيرتهما العملية والوطنية كنقطة سوداء... مثلي يعني «بلاك ليست» على بعض «الليستات».


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة