الأربعاء 2024-12-11 23:48 م

ما دون الحدّ الأدنى!

06:21 ص

من منّا لديه ذرّة تفاؤل عشية القمّة العربية المرتقبة في الكويت؟! فمثل هذه القمم تحوّلت إلى مادة للتندّر والفكاهة الاجتماعية والسياسية الشعبية في السنوات الماضية، حينما كانت الدول العربية في حال أفضل، وحضور الزعماء والرؤساء مشهود فيها، وخلافاتهم مادة الصحافة والإعلام، بل ربما هي القيمة الإخبارية الوحيدة فيها!

أمّا القمّة الحالية، فهي فقيرة تماماً، حتى من المواقف الطريفة. فكثير من الرؤساء سيستنكف عن الحضور، إمّا لدواعي المرض أو الأمن أو اللامبالاة، فيما تعاني دول عربية متعددة من أزمات داخلية طاحنة، كمصر والسودان وسورية والعراق، ودول أخرى مشغولة بهمومها الداخلية إلى درجة طاغية (اليمن والبحرين).
بالرغم من ذلك، وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية الرمادية الراكدة التي ستتم، على الأغلب، صياغة البيان الختامي بها، فهل من الممكن الحديث عما دون الحدّ الأدنى الواقعي من التفاهم؛ بما يعطي ولو 1 % من المصداقية لهذه القرارات، ويشعرنا بأنّه هناك، بالفعل، فائدة متواضعة من استمرار هذه المؤسسة؟
في الملف المصري، من الواضح أنّ الخلاف شديد وكبير، وحالة الاستقطاب تهيمن على المشهد؛ ليس فقط رسمياً، بل حتى شعبياً. لذلك، ليس من المفيد الزجّ بقرارات القمّة في هذا الملف؛ إذ لن يكون هذا الموقف مؤثّراً إلاّ سلبياً في تأجيج الصراع بدرجة أكبر بين الأطراف العربية.
الملف السوري هو الأكثر أهمية وخطورة. فبالرغم من التباينات الواضحة بين الدول العربية (مع غياب تمثيل النظام السوري)، إلاّ أنّ هناك اتفاقاً على أهمية الولوج إلى مرحلة الانتقال السياسي. وهي مرحلة، كما أصبح معروفاً، تتجاوز الأطراف الداخلية، إلى الأطراف الإقليمية والدولية. وفي حين هناك حلفاء يمتازون بالصلابة في دعم النظام السوري (روسيا وإيران)، فإنّ مجموعة أصدقاء سورية متهاوية وموقف الدول العربية ركيك وضعيف وغير مؤثّر.
الخلافات بين الدول العربية تقع في 'مربعات' النفوذ والأدوات، وليس الأهداف. لكنّ هذه الدول خسرت، وستخسر، كثيراً في سورية جرّاء تلك التناقضات، وعدم التنسيق، والانقسام؛ بينما يمكن في المقابل التفكير بأهداف مشتركة، وتشكيل مجموعة ضغط عربية تنسّق المواقف، وتجلس كطرف جديد على الطاولة مع الأطراف الدولية والإقليمية، وتضع تصوّرها للأزمة، بدلاً من البعثرة والتخبط الحالي.
انفجار الخلافات العربية (المقاربة التركية والقطرية من جهة، ومقاربة دول الاعتدال العربي من جهة أخرى) أضعفت من موقف المعارضة السورية، وقوّت جانب النظام هناك، في الآونة الأخيرة. فهل يمكن أن يتوافق العرب على الأهداف العامة في سورية، وهم متفقون عملياً عليها، والانتقال منها إلى تنسيق الخطوات السياسية والدعم العسكري والمالي، وذلك هو أضعف الإيمان؟
ما هو أفضل من ذلك، بطبيعة الحال، أن يتصرف العرب كقوة إقليمية؛ يتحدثون مع الإيرانيين والروس والغرب، ويتفاوضون من أجل تثبت نظام عربي جديد، بدلاً من سيناريوهات الفوضى والحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، ويساعدون في بناء تصوّر لمرحلة اليوم التالي لنظام الأسد. لكن إذا كان هذا الطلب أكبر بكثير من مستوى طموحنا، فإنّ ما دون الحدّ الأدنى ممكن!
لو نظر الزعماء العرب حولهم فقط، لوجدوا أنّ سورية تسير إما نحو استمرار الفوضى والقتال والاستنزاف، أو نحو التقسيم الواقعي؛ وأنّ أزمتها أصبحت بمثابة 'الثقب الأسود' الذي يبتلع معه الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي والأهلي في المنطقة بأسرها. فالعراق عاد إلى دوّامة الحرب الداخلية، ولبنان يقف على شفا هاوية، والقضية الفلسطينية تراجعت أهميتها إلى ما دون الصفر!
لو التزمت الدول العربية فقط بما دون الحدّ الأدنى، فسيكون هذا نجاحاً للقمّة. وهو ما لا أظن أحداً منّا يتوقّعه؛ فحتى البريق الكاذب للقمم تلاشى!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة