السبت 2024-12-14 11:59 ص

ما ينبغي للمعلِّم أنْ يَعْلَمه!

08:12 ص

إنَّه موقف، ثمَّة مصالح لقوى دولية (وفي مقدَّمها روسيا) وإقليمية في تصويره على أنَّه 'فاتحة عهد جديد' في الجهود والمساعي (الدبلوماسية والسياسية) المبذولة لحلِّ الصراع في سورية من طريق 'الحوار' بين طرفيه؛ فـ 'الحوار بالسِّلاح (أو الحديد والنار)' عقيم، أيْ لا يُنْتِج حلاًّ، على ما تقول موسكو، وعلى ما شرعت تقوله في وضوح متزايد واشنطن؛ حتى 'المفاوضات (أو التفاوض)' بين الطرفين (الحكومة والمعارضة في سورية) لا تُذْكَر على أنَّها طريق إلى الحلِّ (السياسي) لأنَّ بشار الأسد يتطيَّر من المعاني الكامنة في هذه الكلمة (المفاوضات).

وهذا الموقف هو الذي أعلنه، في موسكو، وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قبيل محادثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف؛ وقد جاء فيه: 'إنَّ الحكومة السورية مستعدَّة وجاهزة للحوار مع كل من يرغب في الحوار (ويريده) وإنَّها مستعدَّة وجاهزة للحوار (حتى) مع من حَمَل السلاح، إذا ما كان راغباً في الحوار'؛ وإنَّه (أيْ المعلم) يعتقد 'أنَّ الإصلاح لن يأتي من طريق سفك الدماء (بل من طريق الحوار)'؛ ثمَّ أوضح أنَّ فريقاً حكومياً للتحاور مع 'المعارضة في الداخل والخارج' قد أُلِّف.
وبعد ذلك، جاء لافروف بمزيد من 'النقاط' ليُنقِّط بها ما لم يُنقِّطه المعلم من حروف 'مبادرته'، قائلاً: 'لا بديل من التسوية السياسية؛ وإنَّ هذه التسوية تأتي من طريق التوافق في المواقف بين الحكومة والمعارضة؛ وإنَّ للشعب السوري الحقَّ في تقرير مصيره (وفي تقرير مصير بشار من ثمَّ) من دون تدخُّل أجنبي'. أمَّا واشنطن فبدت مُعوِّلة كثيراً على مسعى تبذله موسكو لـ 'إقناع' بشار (وحكومته) بضرورة حل انتقالي سياسي، أيْ بضرورة أنْ يتنحَّى (في طريقة ما) عن الحُكْم؛ ويبدو أنَّ موسكو لن تتجشَّم مهمة 'إقناعه' قبل أنْ 'تُقْنِعها' واشنطن بأنَّ رحيل بشار لا يعني (ولن يعني) رحيل روسيا (بمصالحها الحيوية) عن سورية (وعن المياه السورية الدافئة على وجه الخصوص).
وموسكو، إذا ما 'اقْتَنَعَت' تستطيع 'إقناع' بشار؛ فهي 'الأكفأ' في تلبية حاجته (الشخصية والعائلية والفئوية) إلى 'الملاذ الآمن'؛ وينبغي له، من ثمَّ، أنْ 'يعتدل' و'يتشدَّد' بما يفي بهذا الغرض.
موسكو وواشنطن شرعتا تُبْديان ميلاً (على ما يبدو) إلى 'الفَرْز'؛ إلى فَرْز 'الأشرار' من 'الأخيار' في نظام الحكم السوري (وفي المعارضة السورية أيضاً). وربَّما ينتهي 'الفَرْز' إلى تكثير عدد 'الأخيار'، وتقليل عدد 'الأشرار'، فينال 'العقاب (الذي تريده موسكو أنْ يكون رحيماً قدر الإمكان)' بشار مع قِلَّة قليلة من مرؤوسيه، الذين تلطَّخت أياديهم بدماء الشعب السوري، ويتوفَّر 'الأخيار (من أمثال فاروق الشرع، وربَّما من أمثال المعلم أيضاً)' في البقية الباقية من هَرَم الحكم في سورية مع 'الأخيار في المعارضة (الداخلية والخارجية، المسلَّحة والسياسية' على التأسيس (من طريق الحوار، والتوافق) لحلٍّ انتقالي سياسي في سورية؛ ولا شكَّ في أنَّ جماعة 'النُّصْرة' ستكون من 'أشرار الطرف الآخر'؛ وكأنَّ 'العاصمتين' في طريقهما إلى اكتشاف أنَّ لهما مصلحة مشترَكَة في الخلاص من 'بشار' و'النُّصْرة' معاً، وفي الدَّفْع في اتِّجاه أنْ يتحاور الطَّرفان 'المعتدلان'، وأنْ يَتَّفِقا ويتوافقا؛ لكن بما يراعي مبدأ 'إعطاء ما لقيصر روسيا، لقيصر روسيا'.
المعلم لم يَقِف (من قَبْل) مواقف يمكن أنْ تساعِد في تبرئة ساحته من جرائم ارْتُكِبَت في حقِّ الشعب السوري؛ لكنَّه يمكن أنْ يُصنَّف على أنَّه 'معتدل' بـ 'النسبية فحسب'، أيْ نِسْبَةً إلى بشار (وشقيقه، وآخرين من القادة الأمنيين والعسكريين).
والمعلم، مع أشباهه، يمكن أنْ يكون، أيْ أنْ يغدو، 'محاوِراً مقبولاً (أيْ تقبله المعارضة)' إذا عرَّف نفسه، قَبْل بدء الحوار، ومن أجل أنْ يبدأ، على أنَّه 'ممثِّل لنظام الحكم السوري الذي ما عاد بشار الأسد (وأشباهه) ممثِّلاً (أيْ قائداً ورئيساً) له'؛ فإنَّ 'براءة' هي السورة التي ينبغي له أنْ يتلوها على مسامع الشعب السوري.
وينبغي للمعلم، وبصفة كونه 'مُكْتَشِف' أنَّ 'الإصلاح لن يأتي من طريق سفك الدماء'، أنْ يضيف قائلاً: 'وإنَّ خير دليل على ذلك هو أنَّ سفك دماء الشعب السوري على يديِّ بشار (مع بدء المناداة الشعبية بالإصلاح، وبالسلمية طريقاً إليه) لم يأتِ بأيِّ إصلاح'؛ كما ينبغي له أنْ يُنقِّط بنفسه الحروف الأهم من 'مبادرته'، فيقول إنَّ 'الإصلاح'، الذي لن يأتي من طريق سفك الدماء، لن يأتي، أيضاً، من طريق احتفاظ نظام الحكم السوري برأسه بشار؛ فإنَّ قَطْع هذه الرأس سياسياً (تمهيداً لقطعها بحُكْم محكمة) هو إنجازٌ للجزء الأكبر والأهم من الإصلاح الذي يريده ويقبله الشعب السوري.
إنَّ على المعلم (وأشباهه) أنْ يَعْلَم أنَّ 'سفينة نوح' هي أضيق من أنْ تتَّسِع لأهل الحكم جميعاً؛ فَلْيَخْلَع صاحبه إذا ما أراد أنْ يَجِد له مكاناً فيها.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة