حتى وقت قريب كانت متنزهات مدينة الرصيفة تضج بالحياة والسهر الصاخب, كانت معدلات الجريمة متدنية وكانت الحياة الاجتماعية أكثر تماسكا والتصاقا, كانت خمارة جميل الصالح أكثر مكانا معروفا على مثلث المحطة ماركا وكانت معلما للاستدلال او انتظار الاصدقاء سواء عن يمينها او يسارها, كانت الاعراس مختلطة وكان الشباب يستندون الى زغرودة الصبية في الدبكة قبل السند من الناي او القربة الموسيقية وكان التحرش شبه مفقود وكان اعلى تحرش ممكن هو غمزة عين او اشارة يقوم بها الشاب على شعره, كانت الشوارع اكثر أمنا واكثر نضارة ونظافة .
كان التفزيون الاردني يقدم مسلسلا على حلقات اسبوعيا وليس يوميا, فكل يوم هناك حلقة من مسلسل وثمة تنافس على المسلسل الاكثر متابعة, وكانت الافلام مساء الخميس هي السهرة الوحيدة وكان مقص الرقيب يستثني القُبل الطويلة ومشاهد الخمر, في حين ان معظم مسلسلات رمضان اليوم مليئة بالخمر والرقص والتعري, دون ادنى اعتراض, بل ان المسلسلات التركية والمكسيكية هي الاعلى مشاهدة نظرا لتوابعها الجنسية ومشاهد البذخ والخمور, بينما تقوم الدنيا ولا تقعد اليوم لمجرد مشهد في احد مسلسلات الكرتون الذي جرى استهلاكه لكثرة عرضه على الشاشة فهذا العرض العاشر ربما .
ما يجري اليوم ليس مجرد اعتراض من مجتمع محافظ, بل هو دلالة خطيرة على تردي العلاقات الاجتماعية والسياسية وتنفيس عن غضب عميق في المجتمع الاردني, الذي بات مسكونا بالقشور والسطحية ويشهد تراجعا على كل الاصعدة, فالساحة الثقافية خالية والمشهد الاعلامي مُلتبس ومختلط, والساحة السياسية خاوية وبالكاد تجد من يقبل الظهور على شاشة فضائية او ندوة حوارية كما قال الزميل عريب الرنتاوي في معرض اشتباكه الحميد مع مقالة الزميل محمد داودية على صفحات الدستور .
التأفف اليوم صفة عامة ومتلازمة مثل متلازمة براون مع الشخصية الاردنية الغاضبة والعاتبة, فقبل عقدين جرى الهجوم على شعار الاردن اولا بكونه شعارا قُطريا, وبعدها سمعنا مطالبة بالالتفات الى مشاكلنا الداخلية والنأي عن الاقليم وضغوطاته, فلسنا وحدنا المطالبين بالدفاع عن القومية واوجاعها, ثم تتطور الحالة اكثر في الانكفاء الذاتي حد القبول برفع الدعم عن السلع حتى لا يستفيد الوافد واللاجئ من هذا الدعم, ثم تتم مباغتتنا بأن الدعم رُفع عن الاردنيين وحدهم بعد ان كشفت الموازنة العامة عن رفع ضريبة المبيعات لتحصيل 540 مليون دينار وانحسار الدعم على الاسر التي يقل راتبها الشهري عن الف دينار وعلى الفرد الذي يتقاضى اقل من 500 دينار, اي ان كل اسرة يعمل فيها الزوج والزوجة لن تتلقى دعمًا .
تناقضات المجتمع الاردني باتت ظاهرة لكل عين والشيزوفرينيا الوطنية مرض اصابنا جميعا, فنحن ننشد الدعم الخارجي بوصفه حقا مكتسبا وليس اشتراطا خارجيا او ثمنا لمواقف وقرارات, ونحاكم ونحاسب ونُدين مؤسسات المجتمع المدني التي تتلقى التمويل الخارجي؛ لأنها تنخر المجتمع, وننسى ان الدولة كائن حيّ, مثلها مثل المؤسسات المدنية, نسعى لموازنة الاعتماد على الذات لنكتشف ان المطلوب الاعتماد على الذات الاردنية الفقيرة والمتوسطة او ما بقي منها بدليل ان الموازنة تشهد ارتفاعا في النفقات بمقدار 445 مليون دينار وستوفر العجز في الموازنة من ضريبة المبيعات ورفع الدعم, اي ان الفقير والغني متساويان في الدفع بل ان الفقير يدفع اكثر؛ لأن الانفاق على الغذاء يوازي 60% من دخله فيما الغني لا تتجاوز نسبة الغذاء من انفاقه حاجز الـ 20% .
اختلالات جوهرية في السياسة انعكست على الاقتصاد والاجتماع, نمط تفكير بائس يحكم القرار اليوم, جعل من مشهد في مسلسل كرتون قصة المجتمع في حين تتسرب الازمات من تحت اقدامنا دون ادنى التفات, وهنا بيت الازمة .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو