الأحد 2024-12-15 01:50 ص

مخطىء مَن يظن أننا وصلنا إلى الحائط

09:27 م

إنّ التعددية في الاتجاهات أمر واقعي وطبيعي، هكذا هم البشر في طبائعهم وأطباعهم، وغير ذلك مستحيل، لأنّه تعطيل لسُنّة الاختلاف، لكن ضرورات الحياة تجعل مِن غير الممكن البقاء على حالة الانفصال الدائم وقطع العلاقات بلا حوار ولا تفاوض ولا ارتباط. فلا بد مِن إيجاد علاقات إيجابية وبنّاءة تُنظم الاتصال الذي يقوم على أواصر الثقة والشعور بالاطمئنان، فالإحساس بالثقة يزرع الأمل بين الجميع ويفرض التفاهم على الخلاف، بينما الإحساس بالقلق يعكس الأمور إلى الوراء ويخرج بنتائج فاشلة.


ومِن الطبيعي جداً ومِن المنطقي أن يتخلل هذه المرحلة العديد مِن المنغصات، ومخطىء مَن يظن أننا وصلنا إلى الحائط، ونجزم أن الباب مفتوح لإستلهام كافة الأفكار المنتجة، وما ينقصنا فعلاً طاولة حوار حقيقي بعيداً عن الهوامش والتفاصيل التي لا تعني شيئاً، وفي إطار الثوابت الوطنية الجامعة للجميع، والابتعاد عن المزايدات ورفض الشعارات المثيرة للفتنة مِن أية جهة كانت، ومِن أجل أن يكون الحوار وطنياً وناجحاً يجب أن يشمل كل الأطراف المعنية الرسمية والأهلية مِن دون أي 'فيتو' على أي طرف، وتقليب الآراء والأطروحات المختلفة على أساس مِن الاحترام المتبادل بغية التوصل إلى القواسم المشتركة، ووفق خطاب موضوعي ذات أفق جامع يُقرّب ولا يُباعد، يُوحد ولا يُمزق، الأمر الذي مِن شأنه أن يرسخ الثقة ويقلص فجوة التباين والاختلاف ويزيح جذور الشكوك والتوجس والريبة أو القلق، ويصوننا مِن الإنزلاق إلى المتاهات.

كما ينبغي التأكيد على أن الحوار قيمة أخلاقية وسياسية عظيمة، ومنهج رشيد في إدارة التباينات والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ قيم التعاون والتكامل بين الأطراف المختلفة العاملة في ساحة العمل الوطني، ولا يستقيم مسار الحوار الوطني إلا بالتخلي عن فكرة الاصطفائية سواءً كانت اصطفائية سياسية أو اصطفائية اجتماعية أو اصطفائية دينية، فالاصطفائية لا تولد حواراً متكافئاً وإنما حوار إذعان، كما أنها لا تولد حقوق ومصالح مشتركة وإنما تفرض حقوق أو مصالح خاصة مِن شأنها أن تهدم الشأن العام والمصلحة العامة للمجتمع والشعب، فالمطلوب.. حوار وطني على أساس لا اصطفائي يقوم على الإدعاء بالحق أو الامتياز الخاص أو المظلومية الخاصة دون سائر المظلوميات، وما يضمن حواراً جاداً بعيداً عن الاصطفائية هو اتكائه على احترام التوافق في تحديد مآلات القضايا التي يتم التحاور فيها، وليس مِن مقاصد التوافق الايجابي أن يتكئ على التعصب أو الجمود أو الانغلاق أو إفراغ الحوار الوطني مِن مساره الصحيح إلى طريق مملوء بالأشواك والألغام.

الأردنيون لن يتحملوا اليوم مزيداً مِن وضع المتاريس أو تحميلهم أعباء جديدة، وجدية الحوار وفاعليته وثمرته الايجابية تتحقق باتكائه على قوة الحجة والبرهان والرغبة الصادقة مِن كل أطراف العمل السياسي والمكونات الاجتماعية، والإبتعاد عن عنف الفعل والفعل المضاد في العمل والقول، فالمرحلة فارقة وفاصلة في تحديد المسار والمستقبل، والعبور الآمن يتطلب استشعار أهمية وطبيعة المرحلة، وهو ما يشكل حافزاً للولوج في حوار وطني ناجع ومثمر، ليغدو مجتمعنا أكثر أمناً واستقراراً وأكثر بُعداً عن بواعث التشظي والتمزق وبواعث العنف والتطرف، ومِن ثم يتهيأ لبلادنا فرصاً أكبر وآفاقاً أوسع لبناء وطن الحرية والديمقراطية والمساوة والمواطنة والدولة الحديثة التي تضمن الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والنهوض الاقتصادي.

يقول المهاتما غاندي 'إن التعصب أو عدم التسامح هو في حد ذاته نوع مِن أنواع العنف، وهو العقبة التي تحول دون التقدم في طريق الديمقراطية الحقّة'... ونحن نقول أننا نستنكر التمادي في الشحن، ونشجب التعرّض لأي مكون مِن مكونات المجتمع بالشتيمة واللعن والنعوت الكريهة، وندعو كل مَن له قلب يخاف به على هذا الوطن أن يكون له فعل وطني، فلن تستقيم السبل في مواصلة بناء الأردن إلا بوحدتنا وتكاتفنا مع بعضنا، فلنجعل المحبة دواء جراحنا.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة