الخميس 2024-12-12 01:08 ص

مـــأســـاة الإصــلاحـيـيــن

07:19 ص

لا يقع الاصلاح كعملية سياسية بين فكيّ كماشة , بل جرّ معه الاصلاحيين ايضا , لتصبح العملية وشخوصها تحت وطأة الحراكيين الذين يريدون ثورة مستمرة دون ايقاع ثوري وبرامج قابلة للحياة , وبين حرس قديم او تيار محافظ يسعى الى تجميد العملية الاصلاحية وحال فشِل في التجميد فهو يضع العراقيل في دولابها لتعطيل العجلة عن المسير او كبح دورانها .

الاصلاحيون يقفون على مُفترق سياسي , حيث يتهمهم الحراكيون بمحاباة السلطة والتواطؤ معها على مطالب الحراك الاصلاحية فيما يتهمهم التيار المُحافظ بأنهم جزء من تكسير هيبة الدولة وبأنهم اقرب الى نهج الحراكيين الساعي الى تكسير هيبة الدولة تمهيدا لتحويلها من دولة مريضة الى دولة فاشلة .
الحراكيون او الثوريون الجدد , تَيمُّناً بالمحافظين الجدد , يريدون استمرار الثورة لتهشيم الدولة , فلم ينجح الحراكيون في تقديم برنامج سياسي واحد يُسهم في تعظيم دور الدولة وقيامها بمهماتها الخمس “ الحماية , التشريع , القضاء , الثقافة والتربية “ فالحماية مهمة القوات المسلحة والشرطة وباقي الاجهزة الامنية التي يحمل الحراكيون عليها ويحمّلونها وزر تعطيل الاصلاح غافلين ان اي مساس بدورها يعني الفوضى وكذلك الحفاظ على بقائها خارج ملعب التجاذبات السياسية والسعي الى تعميق دورها الامني بمعزل عن اي دور سياسي .
بالمقابل هاجم الحراكيون مؤسسات التشريع بدل دعم تطويرها القانوني والتشريعي وتعظيم دورها الرقابي وتشاركوا مع تيار المحافظين في تقليل هيبة وهمة اعضاء السلطة التشريعية بدل كسبهم لجانب الاصلاح او كسب الاصلاحيين منهم بدل المطالبة بحلّهم والاساءة لهم يوميا او في كل مسيرة , وحتى القضاء بشقيه الواقف والجالس لم يسلم من هجوم الحراك عليه .
ولغايات المناكفة السياسية الخالية من اي تقدير لحجم الارتداد السلبي ساهم الحراك في تقليل هيبة المؤسسات التربوية بل وساهموا في فتح الفضاء للتطاول على امتحان الثانوية العامة وكذلك بالهجوم على مؤسسات الثقافة وقدموا خدمة جليلة لتيار المحافظين كي يثبتوا ان الاصلاح يسير نحو فكفكة الدولة وتكسير هيبتها .
وسط هذا التناغم الخفي او الاستثمار المُربح بين بعض المحافظين والحراكيين وقع تيار الاصلاح ورجالاته , ولانهم لا يحظون بدعم لوجستي من اي طرف في الدولة اخفوا رؤوسهم وعجزوا عن تأطير انفسهم اما لاسباب ذاتية او لاسباب موضوعية فلجأت مجموعة منهم الى محاباة الحراك حتى لا يقعوا في مرمى قذائفه الصوتية واتهاماته المعلبة والجاهزة من تسحيج الى تواطؤ مع المؤسسات الامنية فجلسوا في حضنه القلِق وغابوا عن مسيرة الاصلاح .
ايضا جلست مجموعة منهم في حضن تيار المحافظين حتى لا يُتهموا بأنهم ضد الدولة وقبلوا بمناصب رسمية ديكورية لا تحقق خدمة للاصلاح بل تكون حُجّة عليه , فالمشاركة الشكلية تحقق غاية المحافظين ولا تدفع عجلة الاصلاح الى الامام بل يستثمر المحافظون مشاركتهم في المناصب لتدعيم مشروعهم السياسي الهادف الى بقاء الوضع كما هو عليه , فتيار المحافظين يراهن على التَكيّف الشعبي مع القرارات السلبية وهو رهان ناجح طالما بقي الاصلاحيون في خانة المراضاة لطرفي الشد العكسي من محافظين وحراكيين عدميين .
الدولة هي الخاسر الوحيد من استمرار نهج المحافظين وعدمية الحراكيين , فهي جعلت تيار الاصلاح اسيرا للرعب الثنائي او المزدوج , وبذلك تحقق نبوءة طرفي الشد العكسي والتي لخّصها الراحل سعد زغلول “ مفيش فايدة يا صفية “ , فالمحافظون يزدادون قوة والحراكيون يزدادون شراسة وكلاهما يقدم اوكسير الحياة للآخر .
الدولة تعاني من امراض اقتصادية واوجاع سياسية واجتماعية وهي بحاجة الى تشخيص الاصلاح الحقيقي حتى لا يتحول الوجع الى مرض ويتحول المرض الى مُزمن والتشخيص يقدمه الاصلاحيون الذين يريدون دولة معافاة تتكيف مع اوضاعها وتتكيف مع احتياجات مواطنيها وليس العكس .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة