الجمعة 2024-12-13 05:58 ص

مفاوضات من أجل «هيئة حكم انتقالي» .. أحقاً؟!

07:55 ص




لم يتوقف سيل التصريحات والتصريحات المُضادة التي يُدلي بها ممثلو الحكومة السورية ام خصوصاً ممثلو هيئة مؤتمر الرياض، الذين يُبدون نوعا لافتا من التشدّد, يحار المتابع عن فهم «السرِّ» الذي يقف خلف هذا «النَفَس» الجديد الذي لا سند له على الارض, حتى في ظل تواصل «وقف العمليات القتالية» الذي قدّر رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري ان نسبة الالتزام به عالية جدا، بل ان «مستوى العنف وفقا لكل الروايات تراجع بنسبة 80 إلى 90 في المائة، وهو امر له دلالة بالغة جداً» على ما قال كيري حرفِيّاً في السعودية.



واذ من المقرر ان تبدأ المفاوضات اليوم في جنيف، فان من الحصافة عدم الذهاب الى مربع التشاؤم او نعي المفاوضات قبل ان تبدأ، بصرف النظر عن المواقف التصعيدية وعالية السقف التي يتبادلها الطرفان، سواء في ما خص تهديد الوزير المعلم بان الوفد الحكومي لن ينتظر اكثر من 24 ساعة اذا لم يحضر الطرف الآخر، كما فعل في الجولة الاولى عندما وصل وبقي في الفنادق، ام في ما خص التصريحات المُتشنِجَة الذي ادلى بها محمد علوش الذي يوصف بانه «كبير» المفاوضين عن هيئة رياض حجاب, الذي عاد ليكرر المقولة التي غادرتها حتى انقرة ما بالك واشنطن وباريس ولندن (دع عنك موسكو والصين وبعض العرب) من ان على الاسد الرحيل حيا او ميتا, لان ليس له مكان في سوريا الجديدة. وتلاه سالم المسلط المتحدث باسم هيئة رياض حجاب الذي قال: انه لا يعير ما قاله المعلم اي اهمية, لأن القرار بيد روسيا.


قد يكون من الطبيعي ان ترفع الاطراف المفاوضة سقف توقعاتها وتُعلي من تشددها واشتراطاتها بهدف تحسين شروط التفاوض، حيث تبدأ مُغالِية أومستحيلة، ثم لا تلبث الحلول الوسط او التنازلات المتبادلة ان تسود في النهاية، اذا ما توفرت النيات الحسنة او اذا ما نجحت الضغوط الخارجية في حمل الاطراف المتفاوضة على تقديم المزيد من التنازلات.. الا ان الجولة الراهنة من جنيف3، لا تنطبق عليها مثل هذه القواعد وخصوصا ان الذي يَنْظُم قاعدة التفاوض والتي على اساسها تمت دعوة الاطراف ذات الصلة لحضور المفاوضات, هما قرارا مجلس الامن 2254 و2268 وإن أُشير الى «جنيف 1» في شكل عابر, باعتباره «النقطة» التي انطلقت منها محاولة التسوية السياسية للازمة السورية, رغم ان موازين القوى وقتذاك، كانت مُختلة لصالح المعسكر الداعم للمعارضات السورية على اختلاف تصنيفاتها وخصوصا الارهابية منها.


هنا والان.. تبدو المراهقة السياسية وانعدام القدرة على الاعتراف بالوقائع الميدانية وحقائق ما تفرضه موازين القوى، سمة رئيسة في مقاربات المعارضات السورية وعلى رأسها هيئة مؤتمر الرياض, التي ما يزال الناطقون باسمها, يُكررِون الاسطوانة المشروخة, بأن المفاوضات تجري فقط من أجل توفير الاجواء لقيام «هيئة حكم انتقالية»، وكأن شيئاً لم يحدث في الميدان وفي معادلة التحالفات والاصطفافات وفي تقلّص هوامش المناورة والحركة امام معارضات الفنادق, وتلك التي انضمت او تنضم بالعشرات الى «الهدنة» والانخراط في المصالحة مع النظام,فضلاً عن القرارين الشهيرين2554 و2268, بكل ما مثّلاه من توافق روسي اميركي.


ما يلفت الانتباه هو هذا التلاقي غير المتوقع بل الغريب بين منطق «ثوار» المعارضة عبر ما ينطق به كبير مفاوضيهم محمد علوش الذي يقول «.. المعارضة جاءت (الى جنيف) من أجل ان تُعيد السلطة للشعب السوري وان تُخلِّصه من الاستبداد والديكتاتورية التي مارسها النظام السوري طيلة اربعين عاماً» ليستخلص في النهاية: ان النظام غير جاد بالعملية السياسية، ويُلاقيه حسن عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية (المُتصدِعة والمُنقسِمة كما يجب التنويه) بالقول: ان النظام السوري لا يريد حلاً سياسياً ، لانه يعرف ان اي حل سياسي وفق بيان جنيف1(..) وتنفيذه في جنيف3 بحضور المعارضة, سيأتي بنظام جديد ويحقق انتقالاً جديداً للسلطة من نظام قديم الى نظام جديد.


رغم مرور كل هذا الوقت وحدوث كل هذه الجرائم والدمار بل والهزائم التي لحقت بالارهاب ومُموِليه ورُعاتِه, لا يزال هؤلاء ممن لا صلة له اصلاً بالميادين, يُصرِّون على ان المفاوضات تعني ان يأتي النظام رافعاً يديه والرايات البيض, كي يُسلِّم مفاتيح السلطة, لثوار الفنادق الذين قد «يعفون» عن بعض اركانه ويسوقون الباقي الى اعواد المشانق.


ما هكذا تورد الابل يا هؤلاء. وصلت سوريا وشعبها الى حافة الانهيار ان لم يكن بدأت هذه الرحلة الكارثية, بعد ان نجح اعداؤها في ابقاء الحرب فيها وعليها لمدة خمس سنوات, وجَيّْشوا كل ما استطاعوا من مرتزقة واسلحة ووسائل اعلام ومؤامرات وفتن, من اجل صب المزيد من الزيت على حريقها الدموي.


فكيف يمكن والحال عليه, بعد ان نزلت واشنطن وباريس ولندن عن الشجرة العالية التي صعدت اليها، ان يكون لكم انتم الذين لا تُمَثِلون–باعترافكم–كل الشعب السوري, ان تحققوا ما عجز هؤلاء وغيرهم عن تحقيقه بالحرب؟


... جنيف 3 لانقاذ سوريا وشعبها ووضعها على سكة الحل السياسي, للوصول الى سوريا ديمقراطية ودولة مدنية لكل ابنائها.. أما غير ذلك فعبثاً تحاولون.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة