الأحد 2024-12-15 00:00 ص

هل تنهض مؤسسات الدولة بمسؤولياتها؟

08:05 ص

دخل الأردن مرحلة جديدة منذ أيام، صار شريكا فعليا في حرب عالمية ضد الإرهاب، يؤكد كل من اشترك فيها بأنها ستطول لسنوات. ليس شرطا أن تكون عسكرية، فالطائرات لن تستمر بالقصف لسنوات، لكنها تظل حربا وإن اكتست طابعا استخباريا لملاحقة المتطرفين وقطع الإمداد المالي والبشري عنهم.

وقد يكون لهذه الحرب تبعات أمنية على الأردن، وعلى مختلف الدول المنخرطة في التحالف الدولي. فعلى الجهة المقابلة جماعة لا تقيم اعتبارا للمعايير الاخلاقية في الصراع، ولا تتورع عن قتل وذبح المدنيين قبل العسكريين، وارتكاب الفظائع في سبيل أن تبقى مسيطرة.
وفي الأردن تيار ليس هينا يتعاطف مع أفكار وتوجهات 'داعش' ومستعد للتعبير عن نفسه بأشكال مختلفة. وفي الأردن فقراء وعاطلون عن العمل، وفئات مهمشة تشكو غياب العدالة في فرص الحياة. هؤلاء وغيرهم بيئة خصبة للتنظيمات المتطرفة. كيف لنا أن نطلب من فقير لا يجد قوت أطفاله أن لا يرضخ للابتزاز؟!
وفي الأردن أزمة ثقة مستفحلة بين مؤسسات الدولة والمجتمع. الناس لا يثقون بالحكومات ولا بالنواب، ولا بالنخب السياسية عموما، حتى نخب المعارضة بكل تلاوينها. ردود الفعل على قصة الذهب في عجلون تكفي للتدليل على عمق الفجوة.
لايمكن في مثل هذه الأوضاع أن تخوض الدولة حربا طويلة، دون أن تضمن ولاء الجبهة الداخلية. سيقع الصدام عند أول حادث أمني خطير، وسترتفع وتيرة النقد والسخط إذا ما استمرت الحرب، والحال على ماهو عليه داخليا. لابد من مقاربة جديدة ومختلفة كليا تقلب الوضع القائم.
على المستوى الاستراتيجي يتعين على مؤسسات الدولة أن تشرع في مراجعة خطابها السياسي والفكري. الحرب على الإرهاب فرصة لا تعوض لإعادة الاعتبار لقيم الدولة المدنية الديمقراطية، وتطهير الخطاب السائد من الأفكار المتطرفة. ووضع أسس جديدة للتعليم في المدارس والجامعات، ودور العبادة ووسائل الإعلام، وإعلاء شأن ثقافة التنوير والمعرفة في كل مؤسسات الدولة والمجتمع. وهذا التحول يتطلب منح القوى المدنية من نقابات وروابط وأحزاب وهيئات واتحادات عمالية ومهنية وثقافية سلطة أكبر في المجتمع، وحرية حركة في الحيز العام.
الفوز في المواجهة مع الأفكار المتطرفة بكل تلاوينها يحتاج لعمل في العمق لا على مستوى القشرة. ما يحصل حاليا من حوارات وأشكال تواصل لا يتعدى غلاف المجتمع، لا بد من الوصول إلى قلب المجتمع وعقله.
على المدى القصير أفضل شيء يمكن القيام به هو بناء آليات حوار مستدامة مع جميع القوى الاجتماعية والسياسية دون استثناء؛ مع طلبة الجامعات، والشباب في النوادي الثقافية والرياضية، ومع جماعة الإخوان المسلمين، واليساريين والقوميين والوسطيين، ومع النخب النقابية والحزبية في المحافظات والبادية الأردنية والمخيمات، والرموز الاجتماعية والعشائرية، والنساء في كل مكان في الأردن. وبالطبع مع وسائل الإعلام بكل أشكالها؛ دور الإعلام حاسم في المعركة.
ثمة خلافات واجتهادات حول دورنا في الحرب، ينبغي أن توضع على الطاولة ويدور حولها حوار جاد. لا يجوز إقصاء أحد مهما كان رأيه. على طاولة الحوار نزيد مساحات التلاقي ونقلص خلافاتنا؛ هكذا تعوّد الأردنيون.
أيا تكن مواقفنا مما يجري، المهم أن نبقى موحدين، وبناء الإجماع الوطني مسؤولية مؤسسات الدولة، فهل تنهض بها، أم تبقى تتثاءب كما هي اليوم؟
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة