الأربعاء 2024-12-11 14:47 م

هنيئاً لك يا اسرائيل

10:26 ص

علينا ان نتأمل قليلا حال اغلب الدول العربية التي اشتعلت فيها الثورات في سياقات الربيع العربي،وهذه الاشتعالات جرت برعاية سياسية واعلامية واقتصادية في دول كثيرة.

الاتكاء على عنوان يقول ان هناك مظالم لهذه الشعوب اتكاء صحيح ظاهرا،وفي العمق هو وسيلة لاشعال هذه الثورات،وادامتها ومد نيرانها،دون مخطط واضح،حتى تقطف هذه الشعوب ثمار ثورتها.
اشعال الثورة شيء،ثم اطفاء نيرانها لدخول مرحلة جديدة،شيء آخر تماما،وهو الامر الذي شهدنا فرقا كبيرا،في سمات كل حالة من حالتيه.
الدول الراعية للثورات،تدفن رأسها في الرمال اليوم،امام الكارثة التي نراها في دول عربية عديدة،اذ اكتفت هذه الدول باشعال الثورات،وادامتها،دون ان تتمكن لاحقا من اطفاء النار والتأثير على مجريات الامور،بحيث يثبت ان الثورات كانت ذات ربحية شعبية. قتلى بمئات الالاف،وجرحى لا عد لهم ولا حصر،وخسائر اقتصادية،بمليارات الدولارات،وتشظ للبنى الاجتماعية والدينية والمذهبية،والثأرات النائمة والمستيقظة تطفو في فضاءات اغلب الدول العربية،من ليبيا الغارقة في الفوضى،وصولا الى اليمن الذي كان سعيدا،مرورا بما نراه في غير موقع ومكان.
لا احد يوجه السؤال حول الفاتورة الواجب ان تتنزل على الدول الراعية للثورات،فهي تتهرب من هذه الفاتورة،وتقول ان هذه هي ارادة هذه الشعوب،لكنها تتناسى هنا ان العنوان صحيح،ولا تريد ان تعترف انها سعت لتوظيفه وتسخير المظالم،دون مخطط واضح،سوى تحويل هذه المظالم الى سبب لهدم البيوت المهدومة جزئيا.
اكتشفنا بشكل واضح،ان الشعوب التي ثارت غضبا على خراب سقف البيت،هدمت البيت كله،بذريعة السقف ،ولم تنجح في اعادة اعمار البيت من جديد،فجلست فوق خراب عام وشامل،فلا بقيت في جهنم الدكتاتور،ولا دخلت جنة الديموقراطي. هذا امر طبيعي لعدة اسباب،اولها ان هذه الشعوب ليست وحدها،فعدد الاطراف التي تلعب في الحديقة الخلفية لكل شعب،كثيرة،من انصار الانظمة المطاح بها،مرورا بالرؤوس الحامية التي تريد حصتها في السلطة الجديدة،وصولا الى ارادة الاجنبي.
الانسان العربي اثبت للاسف هشاشة تكوينية،والذين يقولون ان علينا ان نتعلم من ثورات الاوروبيين التي بذلوا فيها دما،وامضوا مئات السنين حتى قطفوا ثمار ثوراتهم،هم كمن يريد شرعنة الموت والانتحار،واقناعنا ان هذا سياق تاريخي لابد من التدرج عبر مراحله.
والكلام مضلل جدا،لان الوثنية في الانسان العربي مازالت متجذرة،وتتجلى سياسيا اليوم،اذ اثبتت التجارب ان العربي غير قابل تكوينيا لفكرة التعدد وقبول الاخر،ولا يرضى الا بصنم واحد او زعيم اوحد،يمسك بالسلطة بالقهر،او بالقهر والرضى معا.
تأكد ان التكوين العربي الذي يقدس الشخص،لا يمكن ان يترك كل موروثه ويؤمن بالدولة والمؤسسة والمجموع والكل،وهذا يفسر فشل الثورات العربية،التي هدمت اصنامها،لكنها تائهة اليوم بحثا عن صنم جديد في ظل خلافات تحرق وجوهنا جميعا.

ثم ان السؤال عن الفاتورة الاخلاقية التي يتوجب طرحها على الدول التي رعت الثورات،بهكذا اسلوب،يغيب للاسف الشديد،فمن يتحمل مسؤولية ملايين المشردين والقتلى والسجناء والجرحى والمخطوفين،ومن يهمه الامر لنوجه اليه السؤال حول الاثم في هكذا ادارة لثورات،تسببت بهدم ملايين البيوت،من بيوت العرب والمسلمين؟!.
الكل هنا،يدفن رأسه في الرمال،لان المراد الاصلي غير المعلن عنه،توظيف مظالم هذه الشعوب،في الفوضى الخلاقة،ولهدم كيانات وشعوب وتمزيق المنطقة،وتحويلها الى جهنم حمراء،لا يمكن العيش فيها،فالكل يموت،والكل يكره الكل،والسلاح يتدفق،ولا قيمة لمن يختفي تحت الارض او فوقها،واسالة العناوين القومية والدينية لتبرير الثورات امر سهل.
في اسرائيل مقبرة تسمى مقبرة الارقام،وهي مقبرة تحوي رفات الشهداء الفلسطينيين والعرب،ويتم دفنهم دون اسماء،ويتم منح كل واحد رقما،وهكذا مقبرة،مباركة في دلالالتها،غير اننا بتنا اليوم في العالم العربي،امام مقبرة ارقام ممتدة من ليبيا وتونس غربا،الى اليمن ومصر وسورية والحبل على الجرار في دول اخرى.
مقبرة ارقام قومية،لا يعرف المدفون فيها،من هو جاره،ولا يعرف الحاضر فيها عن الغائب،ولا أب يسأل ولا أم تنتحب على ضريح الراحل.
في تحليل الربيع العربي مدارس كثيرة،تدير بوصلة الاتهام هنا وهناك،غير ان على الجميع ان يعترفوا اننا امام مدفن قومي،وملايين البشر خسروا القليل الذي كان بيدهم،في بلاء عام،فيما عودة الحياة لهذه الشعوب،بحاجة الى الف عام جديدة،وهذا توقيت متأخر يقول ان قيامة هذه الشعوب قامت فعلا،ولربما هم في ميقات الحساب ليس اكثر.
ثم اولئك الذين تسببوا بهذه المحارق،ورعوها حق الرعاية سياسيا واعلاميا،ينامون وضميرهم راض كل الرضى،والفرد فينا لو تسبب بقتل فرد آخر لحوكم وتم تطبيق القصاص عليه،فيما الدول التي رعت الربيع العربي،لا يطالبها احد بالقصاص،برغم انها دمرت الملايين،قتلا وجرحا وتشريدا في هذا العالم المعتم والصعب وغير العادل ايضا.
ثم ان اسرائيل عدوتنا الازلية مستقرة،وتشعر بالبهجة امام تدمير كل جوارها ومحيطها العربي،وقد تستحق التهنئة على انها حرقت كل من حولها وحواليها بوسائل مختلفة،من اجل ان تبقى هي دون تهديدات،لان لا احد يتذكرها اليوم،والكل مشغول في طعن الكل.
هي مقبرة الارقام،عند الاحتلال،اذ تتم توسعتها،لتشمل كل العالم العربي.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة