الخميس 2024-12-12 01:18 ص

وجهك لغة يا عمران

09:48 ص






في ما مضى كنا نخاف أن نخطئ إذا ما غنينا مع فيروز: ( يا رايحين ع حلب حبي معاكم راح يا محملين العنب تحت العنب تفاح). كنا نخاف أن نقول: فوق العنب التفاح، كي لا (تتفعفص) عناقيد أغانينا فيسيل عسلها الرضاب. فليس في الدنيا فاكهة أكثر رهافة من العنب، إلا وجه طفل مقطوف للتو من تحت الركام. فسلام عليك يا عمران. سلام على وجهك ينوح كل عذاباتنا بلا كلمات.


حلب الشهباء ليست اليوم بلا تفاح، أو بلا حبيب قريب بعيد، نغني له مع الغادين والرائحين فحسب. حلب بلا عنب، حتى ولو كان تحتاً مفعوصاً يقطر ماءه في في حلق الركام، أو يخط آلامه على غبار الكروم. حلب القدود والمقامات والموسيقى بلا صوت حينما نقرأ صوتك يا عمران، وبلا وجه حينما نتمارى بوجهك الموشى ببصمة الحرب الأولى: الدم والرغام. حلب جحيم لم نك نتخيل يوما أن يولد على كوكب أزرق من ماء وهواء. فيا الله، أين أخذنا المجرمون؟.

وهل صحيح أن طين الطغاة مر من بين يديك؟. بعد عمران ستكون حلب بلا قصائد للمتنبي، وبلا نخوة سيف الدولة. بلا موشحات مرهفة مياسة، بلا صباح فخري، يدوخ كفراشة نار، يتوسل جواباً من حبيب غاب منذ قبلتين، أو بلا قمر يقبعُ فوق النخل، أو تحت الركام. حلب دون ملامح، بلا روح. حلب التي كنا نلعب بأحرفها، فنجعلها بلحاً، غدت بيد المجرم حبلاً، يحزّ عنق الإنسانية، ويخنقنا حتى آخر شهقة تراب. ربما لم نكن بحاجة إلى صمت الطفل عمران، حينما سحب من رحم الدمار.

لم نكن بحاجة إلى إنشداهه ليدين الإنسانية والتاريخ والجغرافيا كل في آن. لم نكن بحاجة لوجهه لنرى وجه الحرب. لم نكن بحاجة لهذه اللغة، كي نعلم أننا أمام هاوية بلا قاع. جحيم بلا نهاية. فيا عمران، هي الحرب يا صغيري، بدأت بأطفال تلعثموا على جدران درعا بكلمات. ولن تنتهي بوجهك يختصر كل الكلمات والآهات.

ستسأل: هل شاهدك بشار الطاغية على شاشات. هل قرأ بصيص النور المنشق من غار عينيك. هل كان يحضن طفله حينما رأك. لا يا صغيري. الطغاة لا يقرؤون هذه اللغات، لا يعرفون حروفها، ولا يسمعون صداها. لن يراك الطاغية حتى لو نمت بسرير طفله المترف. هو مشى طريق الدم، ولن يبلغ يوماً منتهاه.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة