النائب الدكتور خير أبوصعيليك*
نجحت جهود الدولة في الحد من تحدب منحنى انتشار الفيروس المستحدث COVID-19 ليصبح التحدي الكبير في البلاد اليوم هو كبح جماح البطالة و اعادة الالق الى الانشطة الاقتصادية و التخفيف من التراجع المتوقع في النمو الاقتصادي بل و العمل الجاد لتحويل التحديات الى فرص و العودة بالنمو الى معدلات الفترة من عام 2000 وحتى العام 2008.
وكما توقعنا منذ بداية هذه الجائحة فان الاثار الاقتصادية ستتجاز تداعيات الازمة العالمية في 2009 وانها تقترب في مضمونها من الانهيار العظيم ( Great Depression ) الي اصاب العالم سنة 1929.
وهنا لا بد من ادراك ان الاجراءات اليومية لا يمكن ان تنتقل بنا الى الحالة المثالية و أن الفرضيات التي بنيت عليها رؤية الاردن 2025 لم تعد قائمة وكذلك الامر بالنسبة الى خطة تحفيز النمو الاقتصادي ما يستوجب بالضرورة وجود خطة اقتصادية للدولة الاردنية وليس للحكومة تحد من حالة عدم اليقين و تنهي حالة الحذر و تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجديدة التي ادخلتها هذه الجائحة ( New Norms ) ، ولا بد لهذه الخطة المقترحة من ان تخرج عن الاطار التقليدي وتتبنى ثورة بيضاء في المفاهيم الاقتصادية وان تكون هذه الخطة باعلى درجة ممكنة من التوافق الوطني حتى تصبح بحق خطة عابرة للحكومات.
للوصول الى المطلوب لا بد من الوقوف عند بعض الاضاءات المرافقة لتعامل الاردن مع هذه الازمة.
# أدارة ازمة الحد من انتشار الفيروس
على الرغم من عدم وجود كتب تعليمات وارشادات للتعامل مع هذه الجائحة الا ان تجربة الاردن في ادارة الازمة كانت ناجحة ومثار تقدير و اعجاب على المستويين المحلي و الدولي، فقد حظيت الاجراءات الصحية و الاجراءات التي قامت بها القوات المسلحة و الاجهزة الامنية بثقة الاردنيين وعزز هذه الثقة الاشراف المباشر من قبل جلالة الملك حفظه الله ، ما وفر دعما” ملكيا و أسهم في تعاون ملحوظ من قبل المواطنين.
ما يميز التجربة الاردنية هو الديناميكية و سرعة تصويب الاخطاء كما حدث في الية توزيع الخبز والى حد كبير في أمر الدفاع السادس والذي تم تهذيبة بموجب امر الدفاع التاسع بعد ان حظي بانتقادات واسعة.
# البنك المركزي الاردني واجراءات سريعة
اتصفت الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي الاردني للحد من الاثار الاقتصادية للجائحة بالسرعة والحصافة بل و سبقت كثير من البنوك المركزية في العالم ابتداءا من تأجيل اقساط القروض و مرورا” باجراءات تسوية الشيكات و كذلك توفير سيولة في البنوك من خلال تخفيض نسبة الاحتياطي الاجباري و برنامج دعم المنشاءات الصغيرة والمتوسطة.
الاشكالية القائمة هنا هي بطء تجاوب بعض البنوك التجارية و التي ما زالت تبدي قدر من التشدد في التعامل مع القطاع الخاص و يبدوا ان البنوك لديها رغبة في اقراض الحكومة والتي تعاني من فجوة تمويلية كبيرة في ظل عدم توفر التمويل الخارجي على المدى القصير.
ومما لا شك فيه ان البنك المركزي مازال يحتفظ بهامش للمناورة وانه سليجأ الى استخدام ادواته المتبقية لتنشيط الاقتصاد تبعا” لتطور الحالة الاقتصادية و هو اجراء سليم نتفق معه.
# تطمينات تعزز أمن بيئة الاستثمار
التطمين الاول و الاهم هو التوجيه الملكي السامي للحكومة ابان فرض قانون الدفاع بتطبيق القانون في أضيق الحدود ودون المساس بالملكيات الخاصة او الحد من الحريات العامة.
التطيمن الثاني جاء على لسان محافظ البنك المركزي والذي نفى ان يكون هناك اي نية لدى الدولة في الاقتراب من اموال المودعين في البنوك ، بل تجاوز المحافظ ذلك بوصف التفكير في هكذا أمر على انه خطيئة.
اما التطمين الثالث فلقد كان النفي القاطع بفرض الاحكام العرفية وهذا فهم دقيق من قبل الدولة مفاده ان بيئة الاستثمار تنمو و تنتعش في ظل مناخات الديموقراطية ، فكلما ارتفع سقف الحريات المسؤولة كلما تحسن الاقتصاد والاستثمار والعكس صحيح.
# الفجوة التمويلية و المانحين
من الواضح ان تراجع ايرادات الحكومة سيؤدي الى ارتفاع عجز الموازنة والذي كان مقدرا” ب 1046 مليون للموازنة العامة و 250 مليون للوحدات المستقلة بحيث يتوقع ان يصل العجز الى قرابة 2.5 مليار مع نهاية العام الجاري اي بارتفاع يقارب نسبة 100% عن المقدر وهو يعني بالضرورة اتساع الفجوة التمويلية في ظل استحقاق موعد تسديد قرض اليوروبوند في شهر اكتوبر القادم.
عمليا” بدأت وزراة المالية بالاستعداد للتعامل مع الفجوة التمويلية حيث اقترضت مبلغ 300 مليون دينار من مؤسسة ضمان القروض بالاضافة الى حديث مع الجهات لمانحة و في مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية بهدف تسريع توريد المنح والتي عادة ما تأتي في نهاية العام.
أحسن وزير المالية حقا” في التأكيد على التزام الاردن بتسديد قرض اليوروبوند في الموعد المحدد في راسلة واضحة للمانحين تعزز ثقتهم بالاردن وقدرته على تجاوز الازمة.
# برنامج الاردن مع صندوق النقد الدولي و المساحة المالية المتاحة Fiscal Space
لم تعد الفرضيات التي بني عليها برنامج المملكة مع الصندوق قائمة وفي مقدمتها انفلات نسبة الدين الى الناتج الاجمالي المحلي و المتوقع ان تصل ال 105% ، كم ان توقعات البنك لدولي للنمو السالب قد تكون واقعية ولكن الصندوق يدرك جيدا” ان هذا ليس خطأ اردنيا” فقد جاء هذا الارتفاع نتيجة لجائحة اصبت العالم باسره، وهذا ما دفع ادارة الصندوق للحديث مع وزارة المالية و حثهم على الاستفادة من البرنامج التكميلي للمساعدات العاجلة ( Rapid Financing Instrument)
المرحلة المبقية من هذا العام ستنصب على اعادة ترتيب اولوليات الانفاق و تعزيز قدرة القطاع الصحي على حساب الانفاق الرأسمالي وتحديدا” المبلغ المخصص في الموزانة لمشاريع الشركة بين القطاع العام والقطاع الخاص و البالغ 108 مليون.
لا اتفق شخصيا” مع المعالجة المالية التي تستهدف تقليل الانفاق الرأسمالي ، فالاوقات التي يتراجع فيها الاقتصاد هي اكثر الاوقات ملائمة لطرح مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص لثلاث نواحي الاولى زيادة نسبة النمو والثانية تقليل البطالة والثالثة تدني كلف المشاريع في هذه الاوقات.
ثمة مطالبات ظهرت كانت تستهدف حث وزارة المالية على استخدام المساحة المالية المتاحة لمعالجة الاثار الحالية للازمة في ظل توجه الحكومة الى المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لصرف رواتب بدل التعطل، و الحق انني اتفق مع توجه وزارة المالية في عدم استنفاذ كامل المساحة الماليةFiscal Space المتاحة لان الحكمة تقتضي الابقاء على بعض المساحات للمناورة وخاصة مع توقع خسارة بعض العاملين لوظائفهم جراء تعطل او توقف بعض الانشطة الاقتصادية وعودة محتملة لجزء من المغتربين مما يستدعي تطوير و تعزيز برامج حماية اجتماعية اضافية قد تلجأ لها الحكومة في وقت لاحق من هذا العام.
# التأثير على ميزان المدفوعات
يبدو ان تأثير هذه الازمة على ميزان المدفوعات هو اقل اثرا من باقي باقي مؤشرات الاقتصاد الكلي و يعود السبب في ذلك الى انخفاض غير مسبوق في اسعار النفط، كما ان صافي الدخل السياحي والذي يمثل الفرق بين المدفوعات والمقبوضات لن يكون ضخما” بالنظر الى توقف الاردنين عن السفر و السياحة الخارجية.
اما حوالات المغتربين فيتوقع ان يصل الانخفاض فيها الى حوالي 10% مع تجدد الطلب على العمالة الاردنية ولكن ضمن انماط جديدة مثل كوادر الرعاية الصحية والخبرات الاردنية في مجال تكنولوجيا المعلومات وبناء المنصات و التجارة الاليكترونية وصناعة المعقمات و الادوية .
# احتياطي العملات الاجنبية
يتضح و بما لا يدع مجال للشك ان المملكة تحتفظ بوضع مريح من احتياطي العملات الاجنبية والذهب وان فترة تغطية مشتريات المملكة من العملات الصعبة هي اعلى من المعدل العالمي وخاصة بعد انخفاض اسعار النفط وارتفاع اسعار الذهب.
وهنا لا بد من التأكيد على اهمية عدم المساس بهذه الاحتياطيات في هذه المرحلة وأن التحدي الاقتصادي في الاردن ما زال تحت السيطرة و لم يصل الى مرحلة التعامل مع الاحتياطيات.
# اعادة هندسة الاجراءات ام اعادة بناء
كنت دوما” من الداعين الى ازالة مظاهر البيروقراطية باعتبارها احد المعوقات الرئيسة للاستثمار وقد قدمت النصح للحكومات المتعاقبة بالعمل على اعادة هندسة الاجراءات و يشمل ذلك دمج الانظمة و التعليمات و القوانين المتشابهه واختصار المعاملات الروتينية والتواقيع.
اليوم وبعد المتغيرات التي فرضتها هذه الجائحة اجد لازما” النظر في مفهوم جديد يبتعد عن تصحيح الاجراءات القائمة والانتقال الى هدم تلك الاجراءات ومن ثم اعادة بنائها وهو ما اطلق عليه الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر Constructive Destruction تماما كعمليات الهدم و البناء لخلايا جسم الانسان وهو ما يتطلب جرأة على التغيير و مسؤول يدرك فلسفة هذا الاجراء.
اجراءات الاستثمار و الترخيص والتفتيش و المهن و العمل والجمارك و الاراضي كلها تقع ضمن اطار هذا المفهوم
وبناءا” على ما تقدم ، فلا بد لاي خطة نهوض مقترحة ان تتضمن جدول تنفيذ محددة باطار زمني بالاضافة الى مؤشرات اداء قابلة للقياس، و عليه اجد انه من المفيد ان تتضمن ملامح الخطة المقترحة ما يلي :-
عدم الاكتفاء بالعمل ضمن المفهوم القومي Nationalism و العمل سياسيا” مع الشركاء و الاصدقاء الاقتصادين على مفهوم جديد للتعاون الدولي وفق ما ذكره جلالة الملك حفظه الله في صحيفة الواشنطن بوست يستند الى اعادة تشكيل العولمة Globalization – Reshape وفق اسس عادلة تحقق المصالح الوطنية للدول.
الوصول الى عقد جديد للتنمية بين الدول العربية يعزز التبادل السلعي و التكامل في سلسة تزويد الغذاء.
تبني نظام انذار مبكر للاخطار الصحية و الزلزالية و التغير المناخي ، و يشمل ذلك توطين ثقافة التباعد الفيزيائي في الحياة اليومية وتطبيق مفهوم الاحتواء و التعايش.
اعادة تعريف السياسة الاقتصادية و الاستثمارية بما يتفق مع الاعراف الاقتصادية والاستهلاكية الجديدة، ويلي ذلك خطة لتسويق الفرص الاستثمارية وفق المعطيات المستجدة.
اعادة النظر في الاتفاقيات التجارية التي تربط الاردن مع الدول الاخرى و التأكيد على وصول المنتج الاردني بسهولة ويسر وفق هذه الاتفاقيات، و يشمل ذلك اعادة النظر في اتفاقية تبسيط قواعد المنشأ مع الاتحاد الاروبي والتي لم تحقق غايتها حتى الان .
اعادة النظر في جميع اتفاقيات توليد الكهرباء وفق اطار قانوني محكم و بما يحقق المصلحة العليا للبلاد.
ترشيد الانفاق و استكمال دمج الهيئات و تعزيز انطمة الرقابة المالية و الادارية وفق اسس شفافة و واضحة.
تطوير قدرات الادارة الوسطى و العليا في القطاع العام و تعزيز مفهوم الحكومة لاليكترونية والتحول الرقمي وتقليل الاعتماد على الورق في المعاملات الحكومية .
تسويق الكفاءات الاردنية في الدول المجاورة و بشكل خاص الكفاءات الطبية و الصحية و قطاع تكنولوجيا المعلومات أخذين بعين الاعتبار النجاحات التي حققتها الكفاءات الاردنية في بناء المنصات والتجارة الاليكترونية و المعاملات الرقمية.
تسويق المؤسسات النقدية والمصرفية الاردنية لتكون مركزا” للخدمات الاقليمية اخذين بعين الاعتبار حصافة و كفاءة الجهاز المصرفي الاردني في ظل تراجع او انهيار انظمة مصرفية في دول قريبة.
ادخال التكنولوجيا في الانظمة الزاعية ( على سبيل المثال تكنولوجيا Nano Clay ) بهدف زيادة القيمة المضافة و وضع استراتيجية جديدة تتضمن تغيير انماط الزراعة بما يخدم سلاسل التزويد والانتقال نحو التصنيع الغذائي للمنتوجات الزراعية، وتشجيع اقامة مركز الفرز والتوضيب و التخزين اللوجستي للمنتوجات الزراعية و يشمل ذلك توسيع ادخال العمالة الاردنية في هذا القطاع.
اعادة صياغة اسس تمويل المؤسسات الصغيرة و المتناهية في الصغر وازالة التشوهات من هذا الملف.
تأسيس صندوق استثماري للمساهمة في الشركات المدرجة في السوق المالي و القابلة للمنافسة و العمل على تطوير اعمالها من خلال Equity، بالاضافة الى اتخاذ اجراءات تسهم في تقليل كلفة التداول في سوق رأس المال.
خلق مساحات مالية احتياطية ( Safety Fund ) بهدف التعامل مع ردات الفعل الناتجة عن الحالة الاجتماعية للمواطنين في ظل ارتفاع متوقع للبطالة و تكثيف برامج الحماية الاجتماعية للاسر ذات الدخل المتدني.
اتخاذ الاجراءات اللازمة لتعزيز استخدام المحافظ الاليكترونية و تعزيز التعامل الرقمي بشكل متدرج و مدروس و فعال
تبني استراتيجية جديدة للقطاع السياحي تنتقل من المعاجات اليومية الى رؤية استراتيجية نأخذ في عين الاعتبار توحيد مرجعيات هذا القطاع و التكيف مع المتغيرات الصحية العالمية وادخال انظمة السياحة الرقمية مثل الواقع المعزز ( Augmented Reality ) و الواقع الافتراضي (Virtual Reality) و السياحة العلاجية بعد اجراء فحص خلو من COVID-19 في بلد المريض ثم اعادة اجراء هذا الفحص في الاردن و الالتزام باجراءات الحجر داخل المستشفى.
وقف الهدر الناتج عن التشوه في منح الاعفاءات و ربطها مع اهداف الدولة التنموية و المتمثلة في تقليل البطالة ، زيادة العملات الصعبة ، زيادة الصادرات ، استخدام مدخلات الانتاج الوطني، زيادة القيمة المضافة و نقل التكنولوجيا.
التطبيق الفوري لقوانين مشاريع الشراكة بين القطاعين العام و الخاص و ابقاء المبالغ المرصودة في الموازنة العامة والتي تمثل مساهمة الحكومة في هذه المشاريع وكذلك تفعيل تطبيق قوانين المعملات الاليكترونية و الاعسار والتفتيش على الانشطة الاقتصادية.
احياء فكرة اقامة مدينة جديدة وسط / جنوب البلاد بالشراكة مع القطاع الخاص يتم تخطيطها وفق اسلوب حديث للعمران تكون حاضنة للانشطة الاقتصادية و الريادية و التكنولوجية و تستهدف عمل خلط ثقافي و تقليل الازدحام في المدن الثلاث الكبرى، حيث من المتوقع ان تساهم بشكل كبير في تنشيط حركة العمران و الانشطة التجارية والصناعية .
*رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب
-
أخبار متعلقة
-
تصنيف شنغهاي العالمي يضع العلوم والتكنولوجيا في صدارة الجامعات الأردنية في التخصصات الطبية
-
المومني يوجه رسالة للمنتدى العالمي للتواصل الاجتماعي
-
مديرية تربية قصبة إربد تعقد اجتماعا لعدد من المدارس الدامجة
-
بدء تنفيذ مشروع تعزيز انتشار المنازل والمباني ذات الاستهلاك الصفري للطاقة
-
الأمن يحذر الأردنيين بشأن وسائل التدفئة
-
دورة عن كتابة السيرة الذاتية ومقابلات العمل بكلية عجلون
-
الملك ورئيس الوزراء الكندي يبحثان تطورات الأوضاع في غزة ولبنان
-
تربية المزار الشمالي تنظم الملتقى الثاني للتوجيه المهني والتقني "BTEC"