الوكيل الاخباري - لا يمكن للإنسان المؤمن أن يعاند القضاء والقدر أو يحاول تغييره والاعتراض عليه، فهو أمر الله، ولكن ما يترك في القلب غصّة، أن يكون السبب في وقوعه الاستهتار بأرواح الناس، دون أدنى نظر لما سيتركه من ألم في نفوس المتأثرين.
لم تكن الشابة الأردنية ساجدة الخرابشة (26 عاما)، تعلم بأنها ستكون ضحية لسائق متهور، قلب حياتها رأسا على عقب، وخلق لها معاناة جسدية ستعيش معها طيلة عمرها، لتضطر إلى استذكار مصابها العظيم، كلما نظرت إلى وجهها في المرآة.
لم تسمح ساجدة لما مرت به أن يوقف مسيرة حياتها، فلجأت إلى "الحنّاء"؛ لتطمس بألوانه المختلفة، معاني الحزن، مؤكدة بأن الإنسان قادر على العطاء مهما وصلت به درجة العناء.
في مدينة السلط، غرب العاصمة عمان، روت "ساجدة" تجربة مريرة تعيش معها، وتقاوم أثرها عبر مهنة "النقش بالحناء".
تلقت العشرينية الأردنية تعليمها في مدرسة "الرميمين"، التابعة لمحافظة البلقاء، واستطاعت أن تحصل على معدل مكنها من دخول تخصص هندسة الطاقة الكهربائية، وسط اعتزاز وفخر أسرتها بما حققته ابنتها من نتيجة.
- توفيت ثم عادت للحياة
وكأقرانها، كانت ساجدة تستعد لإنهاء فصلها الدراسي الجامعي الأول في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، عائدة من جامعتها برفقة إحدى صديقاتها وابنة عمها، والفرحة تغمرهن، قبل أن ينقض سائق حافلة متهور عليهن، ويضع حدا لأحلامهن.
قالت ساجدة: "السائق وبلا أي حس بالمسؤولية لم يكن يحمل رخصة للقيادة، ولم يتمكن من السيطرة على تدهور الحافلة في مكان قريب من الجامعة، فاصطدم بنا، واحدة هربت والأخرى رمى بها إلى جهة أخرى، وبقيت أنا تحت الإطار الأمامي".
وأضافت: "سالت مياه الراديتر الساخنة على وجهي وأجزاء متفرقة من جسدي، ما أدى إلى إصابتي بحروق من الدرجة الرابعة، نتج عنها تشوهات مختلفة".
وتتابع ساجدة وسط ابتسامة مغموسة بحرقة "خلال أسبوعين من الحادثة، تم نقلي إلى ثلاث مستشفيات لتلقي العلاج، وكنت في غيبوبة، والمصيبة أن السائق لم يمكث في السجن يوما واحد، فقد خرج بفنجان قهوة"، في إشارة إلى تدخل عشائري لحل القضية.
وبنبرة توحي بشكرها لله على ماهي عليه، رغم ما مرت به، استدركت ساجدة: "توفيت لثلاث دقائق، وأخبر الأطباء أهلي بذلك، ليعود بعد ذلك بالإعلان عن عودة النبض وارتفاعه، وبقيت في قسم العناية المركزة أربعة شهور، لتلقي العلاج الخاص بالحروق".
وأردفت: "ساءت حالتي الصحية، ونقص وزني 40 كيلو غرام؛ نتيجة ارتدادات بالمعدة وعدم استقرار الطعام فيها إثر الإصابة".
واستطردت: "بدأ العذاب مع عمليات الترقيع لوجهي؛ لأنه كان يتم اقتطاع الجلد من أماكن أخرى من جسدي وتثبيتها بقطع معدنية مؤلمة جدا على وجهي".
وزادت: "مرت 4 سنوات وأنا بين المستشفيات، ولم يكن لوالدي الوقت لمراجعة المحاكم؛ للوقوف على ما وصلت إليه القضية، خاصة مع عدم التزام ذوي المتسبب بالحادث بعلاجي، كما وعدوا، بل وجدنا بعد ذلك الوقت أنه تسبب بحادث آخر أودى فيه بحياة شخصين".
ومضت قائلة: "استهتار غير مسبوق، وعدم مبالاة، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، (...) لا يوجد حق يعطي أي شخص بأن يشرب فنجان قهوة على روح بني آدم، أو أن يكون سببا في عاهة مستديمة له".
- عودة ومواجهة بالإصرار على النجاح
وقالت ساجدة: "رجعت لحياتي ولكن مصدومة مما حدث، وعدت لإكمال دراستي الجامعية، وتخرجت عام 2020".
وأوضحت قائلة: "أثناء مكوثي على سرير الشفاء، خطرت لي فكرة وهي بأن أستخدم الحناء للرسم على يدي، ووجدت بأنني أمتلك موهبة، وأن رسمي احترافي على الرغم من أنني لم أتلق أي تعليم مسبق بهذا المجال".
وأضافت: "قررت أن أنخرط في هذه المهنة، ووجدت إقبالا كبيرا، بعد أن لجأت إلى مقهى مشهور في مدينة السلط، يرتاده أعداد كبيرة من الشخصيات العامة، والسياح، وقد أعجبوا كثيرا بما أقوم به".
وتابعت: "لا أنكر بأنني في البداية كنت أشعر بأنهم يقصدونني لرفع معنوياتي ومواساتي، لكن بعد فترة من الزمن، تأكدت بأن مهاراتي تعجبهم، خاصة أن الكثيرين منهم لم يعلموا بقصتي من قبل".
وباتت ساجدة الخرابشة العنوان الأبرز في مدينة السلط الأردنية، للراغبات في نقش أزهى وأجمل الرسومات بالحناء، وقصة نجاح لشابة أرادت أن تصنع لنفسها طريق التميز والعطاء، رغم قصة الألم التي تعيشها كل يوم.
-
أخبار متعلقة
-
البكار يلتقي برئيس وأعضاء جمعية المستشفيات الخاصة
-
الأحوال المدنية: أرشفة 75 مليون وثيقة تاريخية
-
الملك يكرم لاعبين أردنيين
-
وزير المياه يبحث التحديات المائية مع منسقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
-
200 ألف دينار لتطوير مرافق مدينة الحسن للشباب في إربد
-
التربية تعمم على جميع المدارس بعد حادثة وفاة طالبين
-
المنطقة العسكرية الشرقية تحبط محاولات تسلل وتهريب وتقتل أحد المهربين
-
الداخلية: لا تغيير على أسس وإجراءات تملك غير الأردنيين للعقارات في الأردن