السبت 2024-09-21 11:36 م
 
 

(التعكيب) بالسكين

07:39 ص




ربما سنختلف قليلاً على الزعتر، إن كان يلفظ بالصاد (صعتر)، أو بالسين (سعتر) أو بالزين (زعتر)، ولكننا سنتوحد روحاً واحدة على أن رائحة هذا النبات تخلد في البال لسنوات طوال، دون أن يبددها عطر؛ مهما تركّز فيه نسغ الورد.اضافة اعلان



فما زالت في أم رأسي، وبما يشبه حلم دنا حتى غدا قاب رمشتين. ما زال في نفسي رائحة زعتر تشربتها ذات طفولة بصحبة جدتي. رائحة تدركها حتى لو كنت مزكوماً من مسافة مئة متر، أو أشهى بكثير.


أهلنا كانوا يسمونه (الزعتر الفارسي)، وكان غير مدجن، في ضيق الحواكير، أو الحدائق والمزارع، ولا ربيب أصص وقواوير الزريعة على الشرفات ومداخل البيوت، بل كان برياً منطلقاً مثل صهيل جامح، وكان لاذعاً، يمتلك ورقاً صغيراً إبرياً، لكنه ومع كثير من الأسف انقرض من بلادنا كلياً، ولم يعد له وجود يذكر إلا في أحواض حدائق بعض الناس.


بالطبع لم يتعرض زعترنا لهجوم نووي، ولا إلى حرب كيميائية، ولم يسقط عليه نيزك خنق جذوره وبدد أوراقه، بل نحن مسحناه عن أرض وجودنا بأيدينا وجهلنا وغوغائيتنا، حين مارسنا عليه حصداً جائراً، فقلعناه من جذوره، ومع السنوات غدت أرضنا بلا عطره الفواح. رحم الله جدتي، حين كانت تعلمنا ألا نقرب جذراً للزعتر، وأن نكتفي بأوراقه، لندعه يتجدد.



نحن ينقصنا التعامل الصحيح مع الطبيعة، ونباتاتها البرية، سيما أن كثيراً من الناس، وفي القرى والأرياف خصوصاً، سيهيمون في البراري في هذه الايام للتبقيل (أي الخروج للبرية لجمع نباتاتها وبيعها)، ولهذا أتوقع آسفاً أن تنقرض كثير من النباتات البرية، وتنضم إلى قافلة الزعتر. مثل العكوب، واللوف واللسينة والقائمة تطول، ولهذا مطلوب من وزارة الزراعة والجمعيات البيئية أن تلتفت لهذا الأمر الخطير، وتحاول استنبات الزعتر وغيره من النباتات التي انقرضت في جبالنا وبريتنا من جديد، ثم تنشر الوعي اللازم عبر الوسائل الإعلامية المرئية خاصة، وتشرح طريقة التعامل معها.



أتوقع آسفاً أن ينقرض (العكُّوب) من ديارنا في ظرف سنوات قليلة، والعكوب لمن لا يعرفه نبات بري شوكي له جذورٌ فلينية، تأخذ شكل الكعب، وأخمّن أنه أخذ اسمه من هذه الصفة، ولهذا يجب التعكيب (جني العطوب) بالسكين، كي يبقى الكعب في الارض. لكن بعض الناس تتعامل مع هذه النبتة بطريقة متوحشة، فتقلعها بالفؤوس جشعاً من عند أنفسهم، أو جهلاً، وهذا النبات إن قلع من جذره أو كعبه كيف يتجدد؟!.
سلام على أمنا الأرض، إذا تتغمدنا بالربيع والعبق والخيرات والمسرة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة