تعرض المسيحيون في المنطقة العربية إلى موجات من الاضطهاد من قبل القوى الخارجية، وعلى الرغم من أن الرسالة المسيحية قد خرجت من هذه المنطقة المباركة إلا أن ذلك لم يكن شافعًا لأهلها أمام بطش تلك القوى الخارجية.
تبدأ الحكاية المأساوية قبل الإسلام حيث رغبت الدولة البيزنطية في حجب المذاهب المسيحية التي تخالف مذهبها الرسمي المعلن، فحاربت المسيحيين في المنطقة العربية (عربا وآراميين وأقباطا) قرابة مائتي عام، لتلزمهم بمذهبها. ويروى أن البيزنطيين قاموا بقتل مائتي ألف قبطي من أنصار الطبيعة الواحدة (اليعاقبة) في مجزرة من أبشع المجازر التي شهدها التاريخ، حيث يقتل الشخص لانتمائه المذهبي من أخيه الذي يشاركه في الدين ويخالفه في المذهب. ومثلها مجزرة (رهبان دير مارون) سنة 517م، حيث قتل 350 راهبٍ ماروني في منطقة (أفاميا) قرب مدينة حماة في الشمال السوري.
ثم جاء الفتح الإسلامي الذي عمل على إدماج المسيحيين في الدولة الإسلامية الناشئة، ليكونوا جزءًا منها لا أعداء لها، ولا غرباء عنها، ضامنا لهم حرية اختيار عقيدتهم، وممارسة عبادتهم في كنائسهم، وممارسة سائر شؤون حياتهم، وصار لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ولم يتوقف الاضطهاد وحرب الإبادة ضد المسيحيين في المنطقة العربية من قبل الدولة البيزنطة وأذرعها وعملائها حتى استلم سيدنا معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) ولاية الشام في عهد سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حيث عمل على إحصاء ممتلكات كل طائفة من الطوائف المسيحية، ومنع استيلاء أي طائفة على ممتلكات الطوائف الأخرى، فكان هذا الفعل بداية للسلام بين الطوائف المسيحية المختلفة.
ومعلوم أنه عند فتح مصر من قبل سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) كان الإكليروس القبطي مختبئا في الصحارى، خوفا من القتل والاغتيال. كما كان بنيامين الأول (بابا الإسكندرية، وبطريرك الكنيسة القبطية) قد أرغم على ترك منصبه والعيش في الصحراء لمدة 13 سنة، هاربا من بطش البيزنطيين. فماذا فعل الفتح الإسلامي؟ أصدر سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) كتابًا فيه ما نصه: «الموضع الذي فيه بنيامين، بطريرك النصارى القبط، له العهد والأمان والسلام، فليحضر آمنا مطمئنا ليدبر شعبه وكنائسه» وعاد بنيامين الأول إلى الإسكندرية وإلى منصبه الباباوي.
لذلك يقول السير توماس أرنولد (المستشرق البريطاني): إن «النجاح السريع الذي أحرزه العرب يعود قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي لما عرف به من الإدارة الظالمة، وما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت. فاليعاقبة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم من السكان المسيحيين، عوملوا معاملة مجحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسي التابعين للبلاط».
ونلاحظ الفرق بين ما لقيه المسيحيون من اضطهاد من قبل الدولة البيزنطية باسم الدين المسيحي؛ لتجبرهم على الدخول في مذهبها ومن ثم الخضوع لسلطانها، وبين ما لقيه المسيحيون أثناء حكم المسلمين، حيث احتفظوا بعقائدهم وكنائسهم، وعاشوا حياتهم بحرية. وعلى الرغم من أن المسلمين دخلوا البلاد فاتحين منتصرين في أوج عزتهم وقوتهم، إلا أنهم رحبوا بأن يعيش بينهم من يخالفهم في الدين، في وقت لم تكن الدول ترضى أن يعيش فيها من يخالف مذهبها في الدين الواحد، لذلك نقول: إن نظام التعددية الدينية وقبول الآخر كان المسلمون روّاده.
ومن نبّش في كتب التاريخ فإنه لن يجد حادثة واحدة تنسب للمسلمين ترقى لما فعله البيزنطيون بمن خالفهم من المسيحيّين، أو حتى ترقى لما فعلته محاكم التفتيش بالمسيحيين والمسلمين واليهود.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو