الأربعاء 2024-11-27 10:33 م
 

بنك كبار السن

07:28 ص

مرعبة جدا فكرة أن یتوفى مرء في منزلھ وحیدا، ویظل على حالھ مدة أسابیع من دون أن یعرف أحد أنھ انتقل إلى الرفیق الأعلى. اضافة اعلان

كم كانت ھذه القصص التي تأتینا من الغرب تقض مضاجعنا، ونحن نحاول أن نكذب تفاصیلھا المؤلمة، باعتبارھا ضروبا من الخیال.
لكن قصصا وتفاصیل أشد إیلاما صارت تمر على مسامعنا ومشاھدتنا، مرورا سریعا سھلا وسطحیا إلى جانب أخبار الطقس، وآخر صیحات الموضة وصور فناجین القھوة الصباحیة!
قبل أسبوع تقریبا عثر في عمان، على جثة سیدة طاعنة في السن، عاشت وماتت وحدھا، وھي أم لبنات وأبناء عدة وجارة أسر عدیدة، وبالتأكید قریبة لعشرات من الأشخاص البعیدین جسدیا وروحیا عنھا.
المؤلم أن السیدة المتوفیة بقیت جثتھا لمدة أسابیع في وسط البیت، من دون أن یثیر غیابھا ارتیاب أقرب المقربین إلیھا، ولو حتى على سبیل المعروف.
لا أعرف تفاصیل حیاة ھذه السیدة قلیلة البخت، و التي أدت لأن تكون وحیدة في آخر أیام وساعات حیاتھا، كما ظلت بقایاھا وحیدة لأیام طویلة أیضا. لكن مھما كانت تلك التفاصیل، فھي لن تشفع لأي كان مصیرھا الحزین الموجع المذل.
لن نخوض للمرة الملیون في قضیة عقوق الوالدین والإساءة إلیھما من قبل أولادھما، وتلك الحكایات المجترة من الموروث التعیس نفسھ، الذي إن لم یحرك ساكنا في ضمائر الأبناء والأحفاد، فلا داعي لھ بعد الیوم، أو على أقل تقدیر علیھ أن یعید تدویر نفسھ لیتلاءم لغویا ووجدانیا وأخلاقیا، مع مجتمع یدنو من القسوة والتوحد بخطوات ثابتة مقدامة وعنیدة.
إنما والأمر صار على ما ھو علیھ، وقصة تلك السیدة یبدو أنھا لن تكون الأخیرة للأسف الشدید، فإن مسؤولیة جسیمة یجب أن تقع على المؤسسات الوطنیة المعنیة بتلك الفئة من كبار العمر.
وبتحدید أكثر، فإن وزارة التنمیة الاجتماعیة، ونعرف مدى شكواھا الدائمة اللحوحة من حجم أعبائھا، علیھا أن تفعل شیئا لأجل كبار السن جمیعھم في البلد، حتى لو كانوا من المحظوظین بأبناء محترمین مرضیین، أو بأوضاع اجتماعیة جیدة. فالحال لا یبقى على ما ھو علیھ بین لیلة وضحاھا. وھذه السیدة كأكبر مثال لا یمكن أن تصل إلى مرحلة تتوفى فیھا على أریكتھا في الصالة، ولا یسبق ھذا المشھد صخب عائلي وزیارات متفرقة من ھنا وھناك، حتى لو انقطع قبلھا بأشھر.
نحتاج فعلیا الیوم إلى بنك معلومات یرصد أسماء وعناوین وتفاصیل أولیة لأحوال كبار السن جمیعھم ممن تجاوز الستین من عمره، ولو كان على رأس عملھ نشیطا وعفیا، أو كانت وسط أسرة متحابة متماسكة.
من حیث المبدأ نحن في الأردن لا نمتلك دراسة إحصائیة علمیة موثقة تخص ھذه الفئة العمریة من الشعب، یترتب علیھا نتائج سوف تكون في غایة الأھمیة لرصد الأوضاع الصحیة والاقتصادیة والاجتماعیة والنفسیة، لمن تجاوز عمره أو عمرھا الستین.
مثل ھذه الدراسة ستكون مصدرا أساسیا لحل مشكلات الشباب والمراھقین، خصوصا الصحیة منھا والتي أظن أنھا ستبني قاعدة معلوماتیة ضخمة في بیولوجیا وسیكولوجیا المجتمع الأردني.
الأمر لا یحتاج إلى عصا سحریة لا نمتلكھا لوضع ھذه الدراسة، ورصد أسماء وعناوین كبار السن. فبتعاون كل من وزارتي الصحة والتنمیة الاجتماعیة ودائرة الإحصاء، وبجھود مؤسسات تعلیمیة كالجامعة الأردنیة مثلا وشركة اتصالات وطنیة، یمكن أن نؤسس لبنك كبار السن لیكون قاعدة معلومات مھمة ترصد أوضاعھم، وتضع الضعاف منھم في مقامات كریمة، تحترم شیخوختھم وتؤسس لمبادرات اجتماعیة تحل مشاكلھم بكرامة.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة