لا شكّ أنّ للإعلام دورًا مهما في حياة الناس، فهو مسؤول عن تشكيل رأيهم الجمعي وثقافاتهم، فدور الإعلام ليس مقتصرا على نقل الحوادث والأخبار فقط، بل يتعداه إلى التربية والتوجيه، وصناعة الفكر والرأي، فهو يحمل مسؤولية اجتماعية غاية في الخطورة.
وفي زماننا هذا اتسعت رقعة وسائل الإعلام التقليدية لينضمّ إلى وسائل التّواصل الاجتماعي، لتصبح جزءًا لا يتجزّأ من وسائل الإعلام، وبهذا ازداد حجم المحتوى الإعلامي أضعافا مضاعفة، حتى صرنا نعرف أنّ الجارة أمّ فلان قد حضّرت على العداء (مقلوبة) لأسرتها، ووثقت هذا الحدث بالصورة.
ومن خلال وسائل التواصل ازدادتْ سرعة نقل الأخبار والحوادث، ممّا جعل وسائل الإعلام التقليدية تعمل على المنافسة في سرعة ودقة نقل الخبر. إلى هنا قد تبدو الأمور جيدة، وتسير في طريقها الصحيح، ولكن الصورة لا زالت غير مكتملة. فالوجه الآخر لهذا الانفتاح فيه من السلبية الشيء الكثير، ولكنني سأركز القول في جانب واحد وهو انتشار خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
فعلى صعيد وسائل الإعلام التقليدية كالتلفاز والإذاعة والصحف، كانت الحكومات تشرف عليها بشكل أو بآخر، مما جعلها تدور في فلك تلك الحكومات، ومع هذا التقييد في الحريات إلا أنها كانت منضبطة بالأمن الاجتماعي، ومنع خطاب الكراهية بين أفراد المجتمع وطوائفه المختلفة.
ولمّا انطلقت الفضائيات الخاصة إلى فضاء الإعلام، وُجدت قنوات دينية متخصصة، تعرض عقيدتها ومذهبها، وتهاجم الآخرين، كجزء من وظيفتها، فنجد قناة سنية تهاجم الشيعة، وقناة شيعية تهاجم السنة، وقناة مسيحية تهاجم المسلمين، وقناة إسلامية تهاجم المسيحيين، وهلمّ جرًا.
حتى إذا خرجت وسائل التواصل الاجتماعي إلى حيّز الوجود، ازداد خطاب الكراهية اتساعًا، وارتفع منسوبه؛ وذلك لازدياد عدد الأفراد أصحاب الصفحات الذين يشكلون الإعلام الجديد هذا من جهة، ومن جهة أخرى لوجود الشحن الطائفي الذي تعاني منه المنطقة، وانتشرت عدوى هذا الخطاب المقيت بكل من مرت به، حتى أصبح هذا الخطاب عنوانا على صدق الانتماء للطائفة أو الدين.
ويعتبر خطاب الكراهية من صور العنف اللفظي، إذ تعلو فيه لغة الشتائم، والقدح، والقذف، والطعن، والكره، والتعصب، والتمييز، والاستعلاء على الآخر وتحقيره، وإقصائه، ولن نستطيعَ أن نحصيَ ما يقوله كلّ طرف عن الآخر، وما فيه من كذب وافتراء وأساطير، وكل ذلك ليُظهرَ بطلان الخصم وأحقيّته هو، ولتنتقل المعركة من كونها فكريّة إلى عداوةٍ مع ذوات الأشخاص ووجودهم، وتحريضٍ للعنف ضدهم، فيبيح كلّ طرف قتلَ الطرف الآخر، أو تهجيره، ويجعل ذلك قربة إلى الله وسبيلا للوصول إلى الجنة.
ولا يخفى احتراق دول من أمتنا العربية بنار الحروب الأهلية التي كان وقودها خطاب الكراهية الناشئ عن عدم قبول أو احترام الاختلاف في الدين والمعتقد، وفي سبيل ذلك، أزهقت آلاف الأرواح، وأنفقت ملايين الأموال، وهجّرت الناس من ديارها، وصار الجار يحارب جاره ويكرهه ويخافه، دون سبب إلا لأنه يسمع خطاب الكراهية يغذيه ويحرضه على جاره، والنتيجة النهائية كما في كل حرب أهلية، الدمار للوطن، والعذاب للمواطن.
فما الحل لهذه المشكلة؟ الحل يكمن في أمرين، أحدهما: أن تصاغ قوانين وأنظمة تجرّم خطاب الكراهية بكل أشكاله، وأن تطبق هذه القوانين بصرامة وعلى الجميع، مؤسسات إعلامية أو فضائيات أو أفراد؛ ليكون المعتدي عبرة للآخرين، والأمر الثاني: أن تتم عملية تثقيف للمجتمع، وتنبيههم إلى خطورة الخطاب الطائفي أو العنصري، وكيف أنه يقسِم المجتمع ويفتت قواه، ويزرع الشحناء والبغضاء بين أفراده، لترتفع حساسية الأفراد والمجتمع تجاه كل خطاب ينشز عن الإيقاع المطلوب.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو